الأربعاء، أغسطس 04، 2010

زواج المحلل - السياق التاريخي

 

الطَلْقةُ المَنْصورَةُ في وَطْئ نِكَاحِ مُحَلِّلِ اٌلْمُطَلَّقَةِ المَقْهُورَةِ

 

السياق التاريخي لتشريع زواج المحلل في الإسلام

شُرِّعَ زواج المحلل في الإسلام تبعا "لآية" 230 من سورة البقرة: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. وتجمع كتب الحديث والسيرة أن هذه "الآية" "نزلت" في ثلاثة (رجلين وامرأة) كلهم من اليهود الناجيين من المذبحة التي اقترفها المسلمون بحق قبيلة بني قريظة اليهودية بعيد غزوة الخندق في السنة الخامسة للهجرة. ونرجو أن يتضح الآن للقارئ السبب في تكريس جزء طويل من هذا المقال لعرض قوانين الطلاق في الديانة اليهودية. وقد جمعنا في ملحق 3 أدناه الأحاديث التي تسرد قصة "نزول" هذه "الآية." كما نورد شرح الرازي لهذه الآية في ملحق رقم 4. وتبعا للأحاديث الصحيحة وكتب السير، فإن أبطال قصة نزول "الآية" 230 من سورة البقرة (سنسميها من الآن فصاعدا آية المحلل) كانوا عبد الرحمن بن الزبير إبن باطا القرظي ، وهناك إجماع في كتب التراث على هذا الإسم، ورفاعة بن سموأل (شمويل) القرظي[1] ، والسيدة اليهودية تميمة القرظية[2] زوجة رفاعة ، ومن بعد طلاقها منه زوجة عبد الرحمن . ولأن هؤلاء الثلاثة أسلموا من اليهودية في سن البلوغ وهم متزوجون ، فإنهم لا شك كانوا على درجة معقولة من فهم قوانين الزواج والطلاق في الديانة اليهودية. وقد أضفنا نصوص كتب السيرة والتراجم عن هؤلاء الثلاثة وغيرهم ممن يدخل أسمه في هذه القصة في ملحق رقم 5.

نستنتج من السطور القليلة التي ترد عن الزبير إبن باطا القرظي، والد عبد الرحمن، في كل من سيرة إبن هشام ومغازي الواقدي أنه كان من سادات بني قريظة وأكثرهم علما، وأنه كان مقداما جوادا بدليل إنقاذه لأحد سادات الخزرج ، الصحابي ثابت بن قيس بن شماس ، من القتل صبرا (أي إعدامه بعد أسره) في حرب بعاث. وقبيل ذبح رجال بني قريظة ، جاء ثابت بن قيس ليسد للزبير إبن باطا حسن الصنيع ، فسايره الزبير بدهاء ولكن بدون أن يحثه على طلب العفو لنفسه صراحة من محمد (قال – قيس – إني قد أردت أن أجزيك بيدك عندي ؛ قال – الزبير – إن الكريم يجزي الكريم)، ولما عاد له ثابت بن قيس بالعفو من محمد، سائله عن العفو  عن زوجته من العبودية وعن أولاده من القتل ، فلما أجابه محمد لذلك سائله في أمواله فسمح محمد بإعادتها له. عندها غلب الوفاء الزبير لرجاله ورفاقه ، فوقف بإباء ملحمي وآثر الموت معهم على الحياة (قال فأني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ألحقتني بالقوم ، فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير ، فما أنا بصابر لله فتلة دلو ناضح حتى ألقى الأحبة . فقدمه ثابت فضُرِب عنقه)[3].

أبقى الحفاظ على إرث الزبير بن باطا (إرث الشرف وإرث المال) في عائلته وأولاده ، إبنه عبد الرحمن بن الزبير، الزوج الثاني لتميمة وأحد بطلي قصة آية المحلل، في وضع مادي واجتماعي أفضل من وضع  زوجها الأول رفاعة القرظي . فحسب سيرة إبن هشام، نجد أن رفاعة ، والذي كان تبعا لمتون بعض الأحاديث إبن عم تميمة القرظية،  أُنقذ من طرف سلمى بنت قيس، إحدى السيدات الأنصاريات من خالات محمد وكانت قد بايعته في "بيعة النساء"[4] قبيل الهجرة. ومن سياق ذكره في كتب التراث ، نستنتج أن وضعه الإجتماعي والمالي بعد الإسلام كانا سيئين إلى درجة كبيرة، فإما أن سلمى بنت قيس استحيته تبعا لإبن هشام ، أو أن الناس ظنوه مولى لها تبعا للواقدي. ولا تعلمنا كتب التاريخ أنه لعب أي دور مباشر في "نزول" آية المحلل، بمعنى أنه لم يكن حاضرا أثناء مثول تميمة وعبد الرحمن أمام محمد.

أما بالنسبة لتميمة القرظية , والتي تذكر بعض متون الأحاديث أنها رفاعة كان إبن عمها ، فإن كتب السير والطبقات لا تخبرنا إلا النزر اليسير عنها. ولأن النصوص التاريخية لا تذكر أن سلمى بنت قيس طلبت من محمد أن يهبها إياها يوم المذبحة مع زوجها رفاعة ، أو أن رفاعة طلب من سلمى التوسط في إطلاق زوجته،  فليس أمامنا إلا أن نستنتج أنها سبيت ، وأنها بيعت مثل باقي نساء بني قريظة  في سوق العبودية[5]. هذا الإستنتاج لا يسعفنا في معرفة من اشترى تميمة بعد المذبحة، ولكن الأغلب أنها اشتريت من قبل أحد أثرياء اليهود[6] ، ولا نستبعد احتمالية أن عبد الرحمن القرظي افتداها. فإن صح هذا الإحتمال، ولأن السبي في الإسلام يُطَّلِقُ السبية من زوجها[7]، ولأن تاريخ عبد الرحمن اللاحق للمذبحة يعلمنا أنه اعتنق الإسلام واستمر عليه[8]، فمن الممكن أن يكون قد تزوجها بعد أن اشتراها كمطلقة من زوجها الأول رفاعة. فيكون عبد الرحمن حسب هذه الفرضية قد تزوجها إما بالرغم عنها، أو برضاها لأنهالم تجد ، بعد فقدان زوجها رفاعة والأغلبية الساحقة من قبيلتها، من خيار غير الإنضواء تحت رعاية عبد الرحمن كزوجة له.

انتهت أحداث المذبحة بأن تمثل تميمة القرظية أمام محمد كمسلمة تسائله أن يحكم بالتفريق بينها وبين عبد الرحمن بن الزبير وأن يعيدها إلى زوجها رفاعة. وتكون بذلك قد قفزت من الهزيمة والتشرد والعبودية إلى مقام "ينزل الله" القرآن بسببها تشريع قانون المحلل. ومن هذه المعطيات، نقوم في ما يلي ببناء صورة جديدة للأحداث التي أدت إلى "نزول" آية المحلل.

نبدأ بالخلفية التاريخية لهذا التشريع ، وهي الأنتصار الحاسم في غزوة الخندق والذي حققه محمد ضد أكبر تحالف عسكري تمكنت قريش من عقده للقضاء على وجوده في يثرب. فبهذا الأنتصار أثبت محمد وعصبته على مرأى من جميع العرب أن دولته في المدينة قد تأسست للدوام، وأن قريش لن تستطيع بعد ذلك اليوم أن تهددها بالفناء. ولم يكن ليخفى بعد هذا النصر ، لا على محمد ولا على العرب من أعدائه أو من المترددين في موقفهم منه، أن وضع المسلمين انقلب من موقع الضعف إلى موقع القوة ، وأن على قريش بعد الخندق أن تخشاه وأن تتودد إليه وهو الذي يقف في يثرب وفي يده القدرة على إعادة ترتيب التحالفات القبلية التي تحرس طرق القوافل إلى بلاد الشام والتي تشمل أهم شرايين حياتها الأقتصادية وعلى إمدادتها الغذائية الضرورية من بلاد الشام ، وخصوصا الدقيق. وزيادة على ذلك، فإن هجومه على قبيلة بني قريظة، وسحق هذه القبيلة من الوجود، وبالعنف الرهيب الذي لم تره العربية من قبل، رفعه إلى زعيم واحة يثرب من غير منازع ، وأسكت أخيرا أي معارضة لوجوده فيها والتي تمثلت منذ هجرته إليها باليهود وبالأنصار الذين أسماهم المنافقين. فبعد الخندق، لم يكن ليجرؤ أمثال عبد الله بن سلول أن يتحدى محمد في سلطته كما فعل سابقا في غزوتي بني قينقاع وبني النضير، واختفى اليهود من مسرح المدينة أختفاء شبه كامل[9]. كما أن المذبحة أدت إلى ارتفاع الرهبة من محمد وجيشه واكتساب دينه هالة من الجدية والأسطورية التي ظلت إلى ذلك الحين حكرا لليهود وأنبيائهم. وأكثر من هذا، فقد أدى استيلاء محمد على آخر بساتين وآطام (حصون) اليهود وتوزيعها بين المهاجرين إلى السيطرة الكاملة على جزء العالية من يثرب، وهو الجزء الافضل ماء وزرعا، والذي طالما طمح الأوس والخزرج، سكان السافلة ، في السيطرة عليه، وأدى تملك هذه الممتلكات الغنية الواسعة إلى توطن المهاجرين القرشيين الكامل في يثرب واستقلالهم الإقتصادي التام عن الأنصار من أهلها. 

من خضم هذه الخلفية، تظهر تميمة القرظية في مجلسه، تسائله وكأنه حبر من أحبار اليهود أن يطلقها من زوجها الجديد عبد الرحمن بن الزبير القرظي. وتعطينا الاحاديث النبوية عن هذه المناسبة صورة شبه واضحة عن محمد يجلس بزهو وفخر في مجلسه وأبو بكر إلى جانبه ، وفي حضرتهما ينتظر السائلين دورهم للحديث مع محمد، ومنهم خالد بن سعيد. وحسب ما عرضنا أعلاه عن قوانين الطلاق في اليهودية، فإن تميمية القرظية كانت تعرف جيدا أن من حق المرأة اليهودية أن تطالب بالطلاق من زوجها إذا كان يعاني من الضعف جنسي والذي لا يمكنه – حسب ما زعمت عن عبد الرحمن –  من نكحها [10] (أو تنجيسها حسب الخطاب الديني اليهودي)، ولهذا قالت لمحمد " وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مَعَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ جِلْبَابِهَا". أي أن عضوه التناسلي صغير جدا بحجم شعرة من شعر ثوبها وليس صالحا لتنفيذ العملية الجنسية. ويرجع السبب أنها ذهبت إلى هذا الحد من التفصيل المحرج لأي امرأة، فكيف بيهودية نشأت في بيئة محافظة (تمسك بني قريظة بالأصولية اليهودية واضح من رفضهم للإقتراح بالنزول لقتال محمد يوم السبت، وتفضيل رجالهم الموت على الإسلام) ، لأنها كانت تعلم جيدا من ثقافتها اليهودية أن زوجها الأول رفاعة لن يحل لها أبدا إن هي مارست الجنس مع زوجها الجديد عبد الرحمن القرظي،  وفي غياب قوانين الطلاق الإسلامية ، كان من الطبيعي لتميمة أن تفترض أن محمدا سيحاكمها بناء على قوانين التلمود. يتصدى لها بعد هذا الإدعاء زوجها عبد الرحمن القرظي (في نص آخر للحديث) ثائرا لرجولته ويعلن أنها " كذبت والله يا رسول الله، إني لأنفضها نفض الأديم ، ولكنها ناشز تريد رفاعة "[11] هنا يثور خالد بن سعيد أحد المنتظرين في المجلس، ويقول لأبي بكر " يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَا تَنْهَى هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ " في دلالة لا غموض فيها أن مثل الكلام الجنسي الذي تفوهت به تميمة كان محرجا للجميع. وفي غمرة زهوه وفخاره من هذا الموقف الذي طالما حلم به منذ هجرته للمدينة، يجد محمد نفسه يقضي بين أعدائه اليهود وكأنه فرعون يحكم بين عبيده منهم. فقام عندها بإصدار حكمه وهو لا يستطيع أن يخفي فرحته ببسمة أو ضحكة طويلة حفظتها لنا كتب الحديث. وللأسف أصبح حكمه من تلك اللحظة حكما شرعيا فجعت به المطلقات المسلمات إلى يومنا هذا: سأل محمد تميمة " لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ " ثم تابع قائلا " لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ ". واستخدام كلمة عسيلة للدلالة على الجنس لم يرد عنه ، حسب علمنا ، في أي حديث أخر، ففي كل أحاديثه عن الزواج والجنس، نجده يستخدم كلمات صريحة لا غموض فيها مثل النكاح، ، والوطأ، وحتى أنه استخدم الكلمة السوقية "النيك." وكلمة "عسيلة" تحمل في طياتها شحنة دلالية قوية على التلذذ واللهو بالجنس، وكأن محمدا كان يمتع نفسه ويتشفى بتعذيب ومماحكة هذه المرأة المنكوبة أمام الحضور في مجلسه البسيط.  

لم يتوقف حب تميمة لزوجها الأول رفاعة،  فتبعا لكتاب أسد الغابة نقرأ تحت ترجمة "رفاعة بن وهب" ، أنها حاولت العودة إليه في خلافة كل من أبي بكر وعمر ولكنها لم توفق إلى ذلك: روى بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان في قوله تعالى : " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره " نزلت في عائشة (أي تميمة كما أسميناها) بنت عبد الرحمن بن عتيك النضيري كانت تحت رفاعة بن وهب بن عتيك وهو ابن عمها فطلقها طلاقا بائنا وتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي ثم طلقها فأتت الرسول فقالت : يا نبي الله إن زوجي طلقني قبل أن يمسني فأرجع إلى ابن عمي زوجي الأول فقال النبي : " لا حتى يكون مس " . فلبثت ما شاء الله ثم أتت النبي فقالت : يا رسول الله إن زوجي الذي تزوجني بعد زوجي الأول كان قد مسني فقال النبي : " كذبت بقولك الأول فلن أصدقك في الآخر " فلبثت ما شاء الله ثم قبض النبي فاتت أبا بكر فقالت : يا خليفة رسول الله أرجع إلى زوجي الأول فإن الآخر قد مسني . فقال لها أبو بكر : قد عهدت رسول الله حين قال لك وشهدته حين أتيته وعلمت ما قال لك فلا ترجعي إليه فلما قبض أبو بكر رضي الله عنه أتت عمر بن الخطاب فقال لها : لئن أتيتني بعد مرتك هذه لأرجمنك.

ويظهر من هذا الحديث أنها مارست العملية الجنسية مع عبد الرحمن، وأنها كذبت عن وقوع الجنس بينهما من أجل تجاوز قانون التوراة الذي يمنع عودتها بتاتا في مثل هذه الحالة، ويبدو أن محمدا كان يشعر بكذبها فتمادى في مماحكتها ليفضحها ويهينها عندما حكم أنها لن ترجع إلى رفاعة حتى تذوق عسيلة عبد الرحمن. وفي رأينا أن لجوئها للكذب يساند قرائتنا بأن زواجها من عبد الرحمن كان نتيجة سبيها وتحريرها من قبله. وإن صحت قرائتنا، فأن حبها لرفاعة كان أعظم من عرفانها لعبد الرحمن، أو حتى اعترافها بمنة الحرية التي منحها إياها. في كل هذا يجب التأكيد أن تجربة المذبحة التي مر بها الثلاثة لا بد شوهت نفسياتهم ، ولهذا فليس من حقنا أن نصدر أي حكم قيمي على تصرفاتهم.

وقد يحتج البعض على هذه القراءة من باب أن الأحاديث تنص صراحة أن طلاق تميمة من رفاعة كان طلاقا عاديا وأنها لا تنص أنه كان زوجها قبل المذبحة أو بعدها، وبهذا فإنه من المشكوك أن طلاقها منه نتيجة سبيها، ونجيب على هذا بالإصرار على أن سير الأحداث والنصوص لا ينفيان أن الطلاق حدث بالسبي والتفريق. وعلى أي حال فإن هذا التفصيل لن يغير من طبيعة التعسف الذي صاغ به محمد قانون المحلل. فتميمة ورفاعة وعبد الرحمن القرظيين كانوا قد عاشوا وخبروا لتوهم أحداثا مفجعة رهيبة عصفت بأسرهم وأحبتهم ونفسياتهم وحياتهم الإجتماعية بما فيها بدون شك أوضاعهم الزوجية. والمنطق وأهم منه الرحمة ، يحتمان أنه لا يجوز لأي قائد مبدع يدعي النبوة أن يستغل مثل هؤلاء الضحايا في سن قوانين شرعية تخص حياة الأمة حاضرا ومستقبلا. فالمحصلة تبقى أن محمدا قصد العبث والمماحكة والتشفي في تعامله مع المنكوبين تميمة وزوجها الأول رفاعة ، والتباهي بانتصاره الدموي على بني قريظة ساهيا بذلك التفكير بالمصائب التي سيصبها هذا القانون مستقبلا عبر القرون على رؤوس الآلاف من المطلاقات المسلمات. ومن عجائب هذا الموقف، أن حكمه في هذه القضية سبق "نزول" الآية 230 من سورة البقرة والتي جاء لتمهر بالختم الآلهي حكم محمد، وكأن محمد علم مسبقا أن الله سيوافقه على حكمه.

 


[1]  تختلف كتب السيرة والطبقات في إسمه الحقيقي ، فمنها ما يسميه رفاعة بن وهب إبن عتيك، ويرد في كتاب أسد الغابة أن رفاعة إبن السموأل ورفاعة بن وهب بن عتيك هما نفس الشخص. ويتجاوز كل من البخاري ومسلم هذا الخلاف ببساطة في صحيحيهما بتسميته  رفاعة القرظي  وسنتبع نفس الحل في تسميته في هذا المقال.

 [2]  اختلف الرواة في اسمها، فمنهم من قال أنها كانت عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك النضيري إبنة عم رفاعة، ومنهم من قال أن إسمها كان تميمة بنت أبي عبيد القرظية وسميت أيضا سهيمة وأميمة بنت الحارث والرميصاء والغميصاء، ولأن إسمها الحقيقي لن يغير من طرحنا في المقال، فسنختار لها أسم تميمة القرظية. والمهم بالنسبة لنا هو أنها كانت يهودية من الناجيات بني قريظة (أو من بني النضير).

[3]  أصَّل نشاط محمد في المدينة لعداوة وكراهية بين المسلمين واليهود في الجزيرة العربية ما تزال أثارها موجودة وبقوة إلى اليوم. ومع أن هذه العدواة تحولت إلى تعايش مميز في القرون الوسيطة (بمقياس تلك الأزمنة) وخصوصا في الأندلس، إلا أن لظاها عاد ليستعر بشدة في عصرنا الحديث بعد الإعتداء الصهيوني على الشعب العربي في فلسطين، ويختلف المؤخرون في أصل يهود العربية فمنهم من يقول أنهم من العرب المتهودة ، ومنهم من يقول أنهم من اليهود المتعربة، والأغلب أنهم كانوا خليطا من الإثنين، وتدعي بعض المصادر التاريخية أن أصل وجودهم في العربية يعود إلى هجرات حدثت بعد تدمير المعبد اليهودي الثاني في القدس عام 71 ميلادية والمذابح التي اقترفها الرومان بحقهم. وهناك مصادر تاريخية يهودية تدعي أن الحج في مكة ووقفة عرفات بدأت كطقوس يهودية مارسها اليهود للبكاء على معبدهم وتشردهم من القدس. وقد تعايشوا في ذلك الزمن مع العرب التعايش الذي كانت تسمح به البيئة الحضارية العامة للعربية، واختلطت حياتهم بحياة العرب اختلاطا حميما تظهر لنا صورة منه عندما انقسم يهود يثرب إلى قسمين، تحالف فيه بنو قريظة مع الأوس لمحاربة أخوانهم من بني قينقاع وبني النضير الذين حالفوا الخزرج في حرب بعاث الضروس والتي حدثت قبيل هجرة محمد للمدينة. ومن منطلق هذا التحالف وقف الخزرجي عبد الله بن سلول فيما بعد يتحدى محمدا أمام جيشه لينقذ حلفائه اليهود من بني قينقاع عندما هم محمد بذبح رجالهم صبرا بعد استسلام القبيلة، وكانت وقفته الشامخة هذه من أهم الأسباب التي أدت إلى معاداة محمد له وتصنيفه كمنافق معاد للإسلام. واندمج اليهود في بيئة الجزيرة ليعيشوا فيها مثلهم مثل سكانها العرب ، فاتخذوا أسمائهم واكتسبوا الكثير من عاداتهم وأخلاقهم وتكلموا العربية، فتفاخروا بأصلهم ونسبهم وكرمهم وشجاعتهم، ونالوا احترام العرب وحسن جوارهم واختلطوا معهم بالنسب كما تثبت وثيقة دستور المدينة التي وقعها محمد مع سكان المدينة عشية وصوله إليها. وبالرغم من أن حملة الإسلام الشعواء ضدهم لرفض غالبيتهم اعتناق الإسلام طمست أغلب أخبارهم ، إلا أن بعض من شذرات مجدهم في الجزيرة حفظت عبر التاريخ، ومنها قصة السموأل بن عادياء الذي رفض أن يسلم عهدة امرؤ القيس من الدروع والسلاح إلى أعداءه عندما حاصروه في حصنه لطلبها، وقتل بسبب رفضه إبنه أمام جدارن حصنه وهو ينظر، ومن هذه القصة اشتهر المثل العربي في الوفاء: أوفى من السموأل . من هذا لا يجب أن نستغرب موقف الزبير بن باطا الشامخ وتفضيله للموت مع رفاق السلاح على خذلانهم بقبول العفو من محمد. ما يلي قصيدة السموأل بن عادياء الرائعة التي يفخر فيها بنفسه وبقبيلته والتي حفظها لنا التاريخ كإحدى عيون الشعر الجاهلي:

إِذا المَرءُ لم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ

  فَكُـلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ

وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَفسِ ضَيمَها

   فَلَيسَ إِلى حُسنِ الثَناءِ سَبيلُ

تُعـَيِّرُنا أَنـّا قَـليـلٌ عَـديدُنـا

  فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِرامَ قَليلُ

وَما قَلَّ مَن كانَت بَقاياهُ مِثلَنا 

 شَبابٌ تَسامى لِلعُلى وَكُهولُ

وَما ضَرَّنا أَنّا قَليلٌ وَجارُنا

  عَزيزٌ وَجارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ

لَنا جَبَلٌ يَحتَلُّهُ مَن نُجيرُهُ

  مَنيعٌ يَرُدُّ الطَرفَ وَهُوَ كَليلُ

رَسا أَصلُهُ تَحتَ الثَرى وَسَما بِهِ

  إِلى النَجمِ فَرعٌ لا يُنالُ طَويلُ

هُوَ الأَبلَقُ الفَردُ الَّذي شاعَ ذِكرُهُ 

 يَعِزُّ عَلى مَن رامَهُ وَيَطولُ

وَإِنّا لَقَومٌ لا نَرى القَتلَ سُبَّةً 

 إِذا ما رَأَتهُ عامِرٌ وَسَلولُ

يُقَرِّبُ حُبُّ المَوتِ آجالَنا لَنا 

 وَتَكرَهُهُ آجالُهُم فَتَطولُ

وَما ماتَ مِنّا سَيِّدٌ حَتفَ أَنفِهِ

  وَلا طُلَّ مِنّا حَيثُ كانَ قَتيلُ

تَسيلُ عَلى حَدِّ الظُباتِ نُفوسُنا

  وَلَيسَت عَلى غَيرِ الظُباتِ تَسيلُ

صَفَونا فَلَم نَكدُر وَأَخلَصَ سِرَّنا

  إِناثٌ أَطابَت حَملَنا وَفُحولُ

عَلَونا إِلى خَيرِ الظُهورِ وَحَطَّنا 

 لِوَقتٍ إِلى خَيرِ البُطونِ نُزولُ

فَنَحنُ كَماءِ المُزنِ ما في نِصابِنا

  كَهامٌ وَلا فينا يُعَدُّ بَخيلُ

وَنُنكِرُ إِن شِئنا عَلى الناسِ قَولَهُم

  وَلا يُنكِرونَ القَولَ حينَ نَقولُ

إِذا سَيِّدٌ مِنّا خَلا قامَ سَيِّدٌ

  قَؤُولٌ لِما قالَ الكِرامُ فَعُولُ

وَما أُخمِدَت نارٌ لَنا دونَ طارِقٍ

  وَلا ذَمَّنا في النازِلينَ نَزيلُ

وَأَيّامُنا مَشهورَةٌ في عَدُوِّنا

  لَها غُرَرٌ مَعلومَةٌ وَحُجولُ

وَأَسيافُنا في كُلِّ شَرقٍ وَمَغرِبٍ

  بِها مِن قِراعِ الدارِعينَ فُلولُ

مُعَوَّدَةٌ أَلّا تُسَلَّ نِصالُها 

 فَتُغمَدَ حَتّى يُستَباحَ قَبيلُ

سَلي إِن جَهِلتِ الناسَ عَنّا وَعَنهُمُ

  فَلَيسَ سَواءً عالِمٌ وَجَهولُ

فَإِنَّ بَني الرَيّانِ قَطبٌ لِقَومِهِم

  تَدورُ رَحاهُم حَولَهُم وَتَجولُ

 

[4]  بيعة العقبة الأولى وسميت ببيعة النساء لأن الأنصار يومهالم يعاهدوه على الحرب معه.

[5]  فحدثني ابن أبي سبرة عن يعقوب بن زيد بن طلحة عن أبيه قال لما سبي بنو قريظة - النساء والذرية - باع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم من عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف طائفة وبعث طائفة إلى نجد ، وبعث طائفة إلى الشام مع سعد بن عبادة ، يبيعهم ويشتري بهم سلاحا وخيلا ، ويقال باعهم بيعا من عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف ، فاقتسما فسهمه عثمان بمال كثير ، وجعل عثمان على كل من جاء من سبيهم شيئا موفيا ، فكان يوجد عند العجائز المال ولا يوجد عند الشواب فربح عثمان مالا كثيرا - وسهم عبد الرحمن - وذلك أن عثمان صار في سهمه العجائز .ويقال لما قسم جعل الشواب على حدة والعجائز على حدة ثم خير عبد الرحمن عثمان فأخذ عثمان العجائز .حدثني عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال كان السبي ألفا من النساء والصبيان فأخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسه قبل بيع المغنم جزأ السبي خمسة أجزاء فأخذ خمسا ، فكان يعتق منه ويهب منه ويخدم منه من أراد . وكذلك صنع بما أصاب من رثتهم قسمت قبل أن تباع وكذلك النخل عزل خمسه . وكل ذلك يسهم عليه - صلى الله عليه وسلم - خمسة أجزاء ويكتب في سهم منها   لله   ثم يخرج السهم فحيث صار سهمه أخذه ولم يتخير . وصار الخمس إلى محمية ابن جزء الزبيدي وهو الذي قسم المغنم بين المسلمين / مغازي الواقدي

[6]  أخبرنا أبو عبد الله ، وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، رحمه الله قال : « أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسراء يوم بدر ، فقبل منهم وأخذ الفدية من بعضهم ، ومن  على بعض » ثم أسر بعدهم بدهر ثمامة بن أثال فمن عليه وهو مشرك ، ثم أسلم بعد ومن على غير واحد من رجال المشركين ، ووهب الزبير بن باطا لثابت بن قيس بن شماس ليمن عليه ، فسأل الزبير أن يقتل وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بني قريظة وذراريهم ، وباعهم من المشركين ، فاشترى أبو الشحم اليهودي أهل بيت عجوزا وولدها من النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بما بقي من السبي أثلاثا ، ثلثا إلى تهامة ، وثلثا إلى نجد ، وثلثا إلى طريق الشام ، فبيعوا بالخيل والسلاح والإبل  والمال ، وفيهم الصغير والكبير من المشركين ، وقد يحتمل أن يكون هذا من أجل أن أمهات الأطفال معهم / التمهيد لما في الموطأ من المعاني

[7]  حلل الإسلام وطئ المسبيات المتزوجات ، وصرح بأن السبي يفسخ زواج المرأة المسبية:

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ الْقَوَارِيرِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاسَ فَلَقُوا عَدُوًّا فَقَاتَلُوهُمْ فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا فَكَأَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ تَحَرَّجُوا مِنْ غِشْيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم)ْ أَيْ فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ

و حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالُوا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ أَنَّ أَبَا عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيَّ حَدَّثَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ بَعَثَ يَوْمَ حُنَيْنٍ سَرِيَّةً بِمَعْنَى حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْهُنَّ فَحَلَالٌ لَكُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ و حَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ /صحيح مسلم

 

[8]  لا تخبرنا كتب التاريخ صراحة أنه بقي على الإسلام ، ولكن شهرته كصاحب أصغر عضو تناسلي في المدينة تملأ كتب الطبقات والتاريخ!

[9]  استمرت بعض عوائل اليهود في العيش في المدينة، ولكن بدون أي ثقل قبلي، ويظهر هذا التواجد عندما تذكر كتب السيرة أنهم تعاطفوا مع يهود خيبر عند غزو محمد لها.

[10] The Mishnah [an early rabbinic legal code] does provide, however, that a wife was permitted, under certain circumstances, to request that a Jewish court compel the husband to perform the acts required for a divorce. These circumstances include: where the husband has physical defects that are deemed unendurable; where the husband fails to perform his marital duties; and, according to some, where the wife says  he is repulsive to me,  or where the husband beats his wife.

http://www.myjewishlearning.com/life/Life_Events/Divorce/History/Women_Initiating_Divorce.shtml

[11]  حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب أخبرنا أيوب عن عكرمة

أن رفاعة طلق امرأته فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير القرظي قالت عائشة وعليها خمار أخضر فشكت إليها وأرتها خضرة بجلدها فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والنساء ينصر بعضهن بعضا قالت عائشة ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات لجلدها أشد خضرة من ثوبها قال وسمع أنها قد أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء ومعه ابنان له من غيرها قالت والله ما لي إليه من ذنب إلا أن ما معه ليس بأغنى عني من هذه وأخذت هدبة من ثوبها فقال كذبت والله يا رسول الله إني لأنفضها نفض الأديم ولكنها ناشز تريد رفاعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان ذلك لم تحلي له أو لم تصلحي له حتى يذوق من عسيلتك قال وأبصر معه ابنين له فقال بنوك هؤلاء قال نعم قال هذا الذي تزعمين ما تزعمين فوالله لهم أشبه به من الغراب بالغراب/ صحيح البخاري

ليست هناك تعليقات:

Links

    لا يعني إدراج الروابط التالية أن أبو لهب يوافق على كل ما يرد فيها وعلى وجه التخصيص , فنحن نرفض وندين أي مقالات معادية للقضية الفلسطينية أو القضية العربية