الأربعاء، أغسطس 04، 2010

زواج المحلل - العوامل التي مهدت لسن قانون المحلل في الإسلام

 

الطَلْقةُ المَنْصورَةُ في وَطْئ نِكَاحِ مُحَلِّلِ اٌلْمُطَلَّقَةِ المَقْهُورَةِ

العوامل التي مهدت إلى سن قانون المحلل

سنحاول في الفقرات التالية أن نستقرأ التاريخ لنفهم الخلفية الكامنة من وراء أعمال محمد الظاهرية في هذه الفترة ، أي فترة ما بعد غزوة الخندق. وحتى نقوم بذلك، سنحاول وباختصار أن نبني أولا  صورة لطريقة تفكير محمد وبعدها للدوافع الكامنة في نفسه والتي أثرت في مواقفه تجاه المرأة.

أي قارئ محايد وغير مؤمن بأن القرآن كلام الله سيخرج بنتيجة حتمية مفادها أن كاتبه، أي محمد حسب قناعتنا، لم يكن متمرسا أو ملتزما بالفكر التحليلي المنطقي، ولكنه، كان يفكر بطريقة عفوية طبيعية أطلق القرآن نفسه عليها كلمة الأمية (لا نرى أن كلمة "أمي" تتناقض مع حقيقة تأليف محمد للقرآن إن أخذنا بالإعتبار أنه كان يمليه على كتبة "الوحي"). فبالإضافة إلى التكرار الغير معقول بين صفحاته، فإن إسلوب القرآن يخلوا من أي ترتيب منطقي سواء في التاريخ أو في التشريع، وقارئه المحايد يعجب ، وربما أهم من ذلك يسأم ، عند قرائته من تشتت الأفكار والقفز العشوائي من موضوع إلى موضوع ، ومن أسلوب لغوي إلى آخر من دون أي سبب ظاهر، كما أن بنية الجمل "الآيات" تخلوا أحيانا من التسلسل المنطقي كما نرى ، على سبيل المثال، في آية التعدد من سورة النساء المدنية التي بدأنا بها هذا المقال. وفي رأينا أن هذا الإسلوب يعطينا أفضل أنعكاس وأصدق صورة للطريقة التي كان محمد يفكر بها. بالطبع كان محمد دائما ملما ومحيطا بجميع العوامل والتفاصيل المؤثرة في قضية ما (كمعرفته بقوانين الطلاق اليهودية في قضية تميمة ورفاعة)، ولكن تدريبه الفكري، وبغض النظر عن ذكائه الوقاد، لم يكن من النوع الذي يقوده أن يعزل العوامل كل على حدة، ليقوم وتبعا لحساب الإيجابيات والسلبيات باتخاذ القرار المناسب نحو قضية ما آخذا بعين الإعتبار تداعيات قراره على الحاضر والمستقبل.

أما لبحث الخلفية التي شكلت توجهه نحو المرأة ، فإننا نلاحظ أن فترة حضانة محمد مرت بعيدا عن أمه آمنة بنت وهب ، فقد ورد في كتب الحديث أن مولاة لعمه أبي لهب أسمها ثويبة[1] جائت لتبشره بولادته ، فأعتقها للبشرى السعيدة ثم وكلفها بإرضاعه (قال عروة وثويبة مولاة لأبي لهب كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه/ صحيح البخاري). بعدها أُرْسِل محمد مع المرضعة حليمة إبنة الحارث السعدية لتنشئته في البادية، وبغض النظر إن كان مثل هذا التصرف شائعا في قريش (لا نعلم أن أحدا من معاصريه مر بهذه التجربة) كما تدعي كتب السيرة، فإن النتيجة تظل أن أمه بالولادة لم تعني به في هذه الفترة الحرجة من الطفولة عناية مباشرة ، ولم يظهرا تبعا لسيرته معا إلا أثناء رحلتهما من المدينة قافلان إلى مكة ، حيث نقرأ أنها توفيت وقبرت في الطريق وعمره لا يتجاوز الستة أعوام. وهناك حديث يروي كيف أن محمدا زار قبر والدته بعد نحو منن خمسين عاما ولم يتمكن من أن يحمل نفسه على الإستغفار لها[2]،  ومن هذا يمكن الإستدلال أن محمدا لم يكن سعيدا بذكرى أمه وطفولته، وأن أقل ما يقال عن طفولة محمد المبكرة، أنها مرت من دون حنان الأمومة وعطفها ، ولأنا لسنا من المتخصصين في علوم النفس، فسنقف عند هذا الحد.

وبعد ذلك يمضي محمد شبابه في كنف جده عبد المطلب ومن بعده عمه أبي طالب، وحسب كتب السيرة، فإن محمد أمضى بعد ذلك حياته بعيدا عن أي علاقة وثيقة تذكر مع أي إمرأة إلى أن تزوج للمرة الأولى من خديجة بنت خويلد وعمره خمسة وعشربن عاما، وكانت هي تكبره بخمسة عشر عاما. تميز هذا الزواج، والذي كان زواج خديجة الثالث (على الأقل) في حياتها ،  بأنه بدأ بمبادرة منها، وخديجة كانت أمرأة قوية الشخصية ورفيعة المنزلة في قريش، وواسعة الثروة والخبرة والعلم، ولهذا فإنها كانت هي "القوامة" في هذا الزواج ، إلى درجة أنه كان على محمد أن يستأذنها في صرف أموال احتاجها ليساعد أمه بالرضاعة حليمة إبن الحارث السعدية عندما وفدت لمكة طالبة عونه على فقر دهمها وعائلتها[3]. وقد كان لخديجة أثر إيجابي عظيم في حياته، فقد أغنته بمالها عن العمل وطلب الرزق، وولدت له كل أطفاله (عدا إبراهيم إبن مارية القبطية) ، ثم أن حزمها وروحانيتها  وثقافتها (هناك إدعائات من بعض المستشرقين أنها كانت تدين بالمسيحية) لعبوا الدور الحاسم في تثبيته في مرحلة الشك وإقناعه أن التجربة الروحية التي كان يمر بها ليست إلا النبوة.  وقد ظل محمد مخلصا لها ولم يتزوج أو يبني أي علاقة مع غيرها إلى أن توفيت في السنة العاشرة للبعثة (قبل الهجرة بثلاثة أعوام) ، فكانت هذه المرأة العظيمة لمحد بمثابة الزوجة والأم والصديقة والمرشدة. غير أنه لا بد أن فارق السن الكبير بينهما، وطول مدة زواجهما وترهل جسمها في سنين الكهولة الأخيرة من حياتها[4] قد حركت في نفس محمد والذي كان بعض من الفتوة ما زال يجول في جسده ، أشد العواطف نحو النساء وأكثرها اضطرابا، كما يستدل من عجلته للتزوج بعد موت خديجة بإمرأة كهلة وطفلة صغيرة، وكما يستدل من تعدد زوجاته في المدينة وأعمارهن، والتي لا جدال أنه كان لها (أي الزيجات) أهداف سياسية بالإضافة إلى الدافع الجنسي.

في المدينة عزف محمد عن الزواج من نساء الأنصار، وهذا الأمر غريب جدا من معطيات أهمية الأنصار في تمكين محمد في المدينة، وأن المسلمين يدعون أن كثرة زيجاته كانت تنبعث من رغبته في جمع شمل العرب تحت راية الإسلام. ويبدو أن هذا العزوف عنهن نتج من قوة شخصياتهن وجنوحهن للجدل كما سنبين لاحقا. وفي رأينا أن هذه العلاقات المضطربة مع النساء تكمن في المواقف السلبية التي اتخذها محمد ضد النساء، بما فيها موقفه السلبي من توسل تميمة القرظية له في إعادتها لزوجها والذي أدى إلى تشريع قانون المحلل في الإسلام.

ومع أننا لمسنا في القسم السابق الخلفية السياسية والعسكرية لوضع محمد في المدينة بعد الخندق، فسنعود هنا لعرض نفس الموضوع لأهميته الفائقة كخلفية للتشاريع التي وضعها محمد في هذه الفترة. أدى انسحاب أعظم جيش (عشرة آلاف مقاتل) تمكنت قريش من تعبئته ضد محمد بدون اشتباك عسكري دامي واسع إلى خروج جيشه من الحصار بدون خسائر بشرية كبيرة (ستة قتلى وبعض الجرحى). بالمقابل، رجعت قريش من تعبئة هذا الجيش ، والأموال التي بذلتها في توفير مؤونته وعقد التحالفات مع القبائل الأخرى منهكة أقتصاديا ومعنويا إلى حد كبير.  وقد أدرك محمد بدهائه السياسي أن هذا الحدث يشكل البداية الفعلية لتأسيس دولته، فانسحاب الأحزاب خلق واقعا عسكريا وسياسيا محصلته اعتراف قريش وحلفائها العملي بدولته في المدينة[5]. لهذا بدأ ومنذ تلك اللحظة في بذل كل جهوده لإستغلال هذه الفرصة التاريخية المواتية. وكان وصولا إلى هذه النقطة الزمنية من دعوته قد اعتمد على مردود المكاسب المادية والمعنوية التي يجنيها من غزو يهود المدينة الأثرياء في سد تكاليف القتال الباهظة وحاجات المهاجرين المقترين ، فقد فعلها من قبل ببني قينقاع بعد غزوة بدر التي لم يدر عليه نصره فيها إلا النزر اليسير من الغنائم والتي خرج من أجلها وهو ومهاجريه في أشد الحاجة إليها[6]، وببني النضير بعد غزوة أحد والتي خسرها عسكريا وخسر فيها الكثير من العتاد والمال. وأدرك أن فرصة انتصاره ضد الأحزاب قد فتحت له الباب واسعا لأن يصعد من درجة العنف ضد اليهود ، وإلى حد لم يعرف إلى ذلك الحين في العربية، وأن بإمكانه أخيرا أن يقلد موسى ويوشع في مذابحهم الإسطورية ضد الفلسطينيين.[7] فقام وقبل أن يضع جيشه سلاحه بالإنقضاض على قبيلة بني قريظة وفي رأسه أن يحقق هدفين أساسين: الأول لحظي لسد الحاجة المادية الحرجة (من طعام ومال) التي وضعه فيها حصار الأحزاب للمدينة [8]، والثاني فرض سيطرته الكاملة على المدينة من جميع الجوانب.

من هذا الطرح للخلفية العامة لطريقة تفكير محمد وعلاقته مع النساء ، والجو السياسي والعسكري الذي ساد المدينة بعد غزوة الخندق، فإنا نرى أن العوامل التالية أدت مجتمعة وبتأثير متفاوت، إلى تخريج الحكم المتسرع والعابث الذي شرع محمد به قانون المحلل في إجرائات الطلاق الإسلامية:

أولا: التشفي والسخرية بضحاياه من الناجين من مذبحة بني قريظة: أدى حصار جيش الأحزاب الكبير للمدينة إلى بلوغ المسلمين مستوى من الهلع واليأس لم يبلغوه من قبل، ويصف لنا القرآن بأبلغ العبارات الحالة البائسة لمعنويات المؤمنين تحت الحصار: إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا {الأحزاب/10} هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا {الأحزاب/11} وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا {الأحزاب/12} وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا {الأحزاب/13} . ولهذا فإن انسحاب قريش وما عناه ذلك من رفع الأمة الإسلامية إلى قوة معتبرة على مستوى الجزيرة للمرة الأولى منذ البعثة، خلقا جوا من الفرح والنشوة لم يستطع محمد أن يتجاوز تأثيرها على نفسه ، فقام إما قاصدا أو عن غير وعي، بالتشفي والعبث بضحايا بني قريظة في مجلسه للتعبير عن فرحته، ونحن لا نشك أيضا أنه كان في فترة تجربة واكتشاف وحيرة للتصرفات التي تعبر عن وضعه القوي الجديد كزعيم المدينة غير المنازع، فمن الممكن مثلا أنه ظن أن مثل هذه التصرفات والأحكام تعكس تصرفات الملوك، وفرضه للحجاب على نسائه وعزلهن قد يكون دلالة على هذا الشعور بالعظمة والذي غمره بعد انتصاره على الأحزاب. ولم يقتصر عبثه في هذه الفترة على اليهود، فقد سجل لنا التاريخ أنه سن تشريعا أكثر سخرية وعبثا من قانون المحلل ، وهو قانون رضاعة الكبير، ومثله مثل قانون المحلل، تخبرنا نصوص الحديث أن محمدا كان يتبسم عند إصدار حكمه في رضاعة الكبير: "عن عائشة قالت جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي فقالت: يا رسول الله إني أرى في وجه أبي حذيفة الكراهية من دخول سالم علي، فقال النبي :أرضعيه، قالت كيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فتبسم رسول الله وقال: قد علمت أنه رجل كبير. ففعلت، فأتت النبي فقالت: ما رأيت في وجه أبي حذيفة شيئا أكرهه بعد وكان شهد بدرا / أخرجه البخاري ومسلم [9].

ثانيا: تمييز الإسلام عن الديانة اليهودية: جهد محمد بعد رفض اليهود الإعتراف به كنبي في تمييز الإسلام عن اليهودية بأي طريقة ممكنة. وكما ذكرنا سابقا، فإن هذا النشاط  ابتدأ بعد بدر عندما حول قبلة المسلمين من القدس إلى مكة، وأتبع ذلك بوقت قصير بإجلاء بني قينقاع وبعدهم بني النضير من موطنهم في المدينة، ثم تتوجت هذه الجهود بمذبحة بني قريظة (كان تمييز الإسلام عن اليهودية ثانويا لهدف جني الغنائم في حالتي بني قينقاع وبني النضير، ولكن هذا الدافع كان أساسيا في غزوة بني قريظة ، والقضاء الجسدي على هذه القبيلة بعد استسلامها يثبت ذلك) ، ولا شك أنه كان يدرك وصحابته ، بدرجة أو بأخرى ، أن فرض هذه القطيعة كان مصيريا لضمان سيادة العرب في دولتهم الناشئة. وكان محمد يدرك أيضا أن عليه بعد أن قضى على اليهود في مجاله في يثرب ، وبعد أن انتصر على معارضتهم له أنتصارا حاسما ، أن لا يسمح لليهودية أن تسيطر على الأسلام من نقطة ضعفه، أي من خلال الشرائع والقوانين التي كانت أغنى ما تكون في اليهودية وأفقر ما تكون في الإسلام. والمشكلة التي واجهها محمد في محاولاته لفرض هذه القطيعة هو أنه لم يكن بإمكانه أن يمحو تأثير اليهودية بالكامل، وخصوصا في الحالات التي كان التمييز فيها ينبع من رد فعل لمناقضة قوانين اليهودية. ومثال قانون المحلل يوضح هذه النقطة، إذ أن جهد محمد بسن قانون طلاق يناقض قرينه في اليهودية، قد سمح لليهودية بالتأثير على الإسلام، ولو بطريقة سالبة جدا كما حدث في هذا المثال.

ثالثا: تكريس قيادته كزعيم أوحد ومطلق للمدينة: لو تمعنا في القوانين التي سنها محمد فترة ما بعد الخندق، لحق لنا أن نعتبرها حملة عامة ضد النساء، وضد نساء الأنصار على وجه الخصوص. وتشمل هذه القوانين تشريع عزل النساء عن المشاركة في أمور المجتمع خارج البيت عن طريق الحجاب، وقوانين الطلاق، وقوانين تعدد الزوجات، وتحليل ممارسة الجنس مع الأماء والجواري والتي سمح للمسلم باقتنائهن إما نتيجة للسبي أو نتيجة للشراء من أسواق العبيد. ولعل أن السبب الرئيس لنشاط محمد في كبح حقوق النساء في المدينة يرجع إلى أن نساء الأنصار كن إلى ذلك الحين يتميزن عن نساء مكة بالإستقلالية وقدرتهن على المشاركة الواسعة في شئون المجتمع، ومشاركتهن في بيعتي العقبة قبل الهجرة خير دليل على ذلك.  وللدلالة على انزعاج محمد وصحابته من نساء الأنصار، نقرأ في هذا المقطع من الحديث الصحيح:[10] وبه حدثني الليث حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن يزيد بن رومان عن بن عباس قال كنت أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن قول الله عز و جل وإن تظاهرا عليه فكنت أهابه حتى حججنا معه حجة فقلت لئن لم أسأله في هذه الحجة لا أسأله فلما قضينا حجنا أدركناه وهو ببطن مرو قد تخلف لبعض حاجته فقال مرحبا يا بن عم رسول الله ما حاجتك قلت شيء كنت أريد أن أسألك عنه يا أمير المؤمنين فكنت أهابك فقال سلني عم شئت فإنا لم نكن نعلم شيئا حتى تعلمنا فقلت أخبرني عن قول الله عز و جل وإن تظاهرا عليه من هما فقال لا تسأل أحدا أعلم بذلك مني كنا بمكة لا تكلم أحدنا امرأته إنما هن خادم البيت فإذا كان له حاجة سفع برجليها فقضى منها حاجته فلما قدمنا المدينة تعلمن من نساء الأنصار فجعلن يكلمننا ويراجعننا.

وبالطبع فإن نساء الإنصار وثقافتهن كانت متبادلة في المدينة مع نظيراتهن اليهوديات، وفي رأينا أن هذه الهجمة العامة ضد حقوق المرأة العربية في المدينة كانت جزءا من برنامج متكامل وواعي قام به محمد ليحد من أي تحد لسلطته ومن أي جهة كانت. ومن المفيد أن نذكر هنا أن محمدا لم يتزوج من أي إمرأة من الأنصار، بالرغم من تشديد صحابته وأتباعه فيما بعد أن زيجاته كانت سياسة نشطة تهدف إلى نشر الإسلام بين القبائل عن طريق النسب مع الرسول (وهي سياسة اتبعها الملك الراحل عبد العزيز آل سعود في تأسيس المملكة السعودية بعد نحو من ثلاثة عشر قرنا). ويظهر أن عزوفه عن الزواج منهن يرجع إلى قوة شخصياتهن مما نفر محمد منهن (هناك إعتبارات سياسية أخرى سننشرها في مقال لاحق).

يبقى أن نضيف هنا أن تسهيل الطلاق إلى حد الإبتذال ، وهو أحد الإشكالين الذين عرضنا في بداية المقال ، يرجع في أساسه للتهميش من دور المرأة والحط من قيمتها كجزء رئيس من الحملة المنسقة التي قام بها محمد في هذه الفترة ضد نساء المدينة.

رابعا: التواطئ مع علية القوم ضد الطبقة الدنيا من الناس: بعد الخندق، حُسِمَ موقف محمد في إستراتيجيته العامة لدعوته إلى الإسلام من ناحية تركيزها على الدعوة بين السادة وقواد المجتمع، والذين كانوا ، بسبب طبيعة النظام القبلي العربي، في موقع يسمح لهم أن يُدخلوا أتباعهم بالجملة إلى حظيرة الإسلام. وقد بدأ هذا التوجه من أيام مكة  بحياء ("عبس وتولى أن جائه الإعمى" كما اشتهرت مقولته اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين"؛ أي عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام؛ لما لهما من مكانة وتأثير في قومهما)، إلى أن أصبح السياسة الطاغية في المدينة، وبعد الخندق أصبح السمة المميزة لدعوته. ومن هذا الجو والتوجه، فإنه كان من السهل والمتوقع من محمد أن يحكم لصالح عبد الرحمن بن الزبير بن باطا، سليل أحد أعظم أشراف اليهود ضد رفاعة وتميمة وضيعا المنزلة والمكانة. فتمكين عبد الرحمن بن الزبير إبن باطا في المجتمع الإسلامي يؤدي وظيفة دعائية كبيرة للإسلام بعكس الوقوف مع رفاعة وتميمة. ومن معطيات أن مجتمع الجزيرة العربية تميز بالقبلية والبدواة، فإنه من المشكوك أن محمدا كان سينجح في دعوته بالسرعة التاريخية التي حدثت لو أنه سلك الطريق البديل، أي طريق الدعوة بين الطبقات المسحوقة . ولكن على المدى الطويل فقد أدى تكريس سيطرة طبقات الأشراف على الأمة العربية إلى القضاء على أي فرصة للعرب في تطوير نظام حكم يعطي الفرد أقل قدر من الحقوق. 

 


[1]  ثويبة التي أرضعت النبي صلى الله عليه و سلم وهي مولاة أبي لهب ذكرها بن مندة وقال اختلف في إسلامها وقال أبو نعيم لا أعلم أحدا أثبت إسلامها انتهى وفي باب من أرضع النبي صلى الله عليه و سلم من طبقات بن سعد ما يدل على أنها لم تسلم ولكن لا يدفع قول بن مندة بهذا وأخرج بن سعد من طريق برة بنت أبي تجراة أن أول من أرضع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثويبة بلبن بن لها يقال له مسروح أياما قبل أن تقدم حليمة وأرضعت قبله حمزة وبعده أبا سلمة بن عبد الأسد وقال بن سعد أخبرنا الواقدي عن غير واحد من أهل العلم قالوا كانت ثويبة مرضعة رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلها وهو بمكة وكانت خديجة تكرمها وهي على ملك أبي لهب وسألته أن يبيعها لها فامتنع فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم أعتقها أبو لهب وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يبعث إليها بصلة وبكسوة حتى جاء الخبر أنها ماتت سنة سبع مرجعه من خيبر ومات ابنها مسروح قبلها قلت ولم أقف في شيء من الطرق على إسلام ابنها مسروح وهو محتمل/ الإصابة في تمييز الصحابة

[2]  حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر ثنا عبد الله بن وهب أنبأ ابن جريح عن أيوب بن هانىء عن مسروق بن الأجدع عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم ينظر في المقابر و خرجنا معه فأمرنا فجلسنا ثم تخطا القبور حتى انتهى إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم ارتفع نحيب رسول الله صلى الله عليه و سلم باكيا فبكينا لبكائه ثم أقبل إلينا فتلقاه عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله ما الذي أبكاك فقد أبكانا و أفزعنا ؟ فجاء فجلس إلينا فقال : أفزعكم بكائي ؟ فقلنا : نعم يا رسول الله فقال : إن القبر الذي رأيتموني أناجي فيه قبر أمي آمنة بنت وهب و إني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي فيه فاستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي فيه و نزل علي : { ما كان للنبي و الذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } حتى ختم الآية { و ما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة و عدها إياه } فأخذني ما يأخذ الولد لوالده من الرقة فذلك الذي أبكاني

 صحيح على شرطهما ولم يخرجاه بهذه السياقة إنما أخرج مسلم حديث يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة فيه مختصرا تعليق الذهبي قي التلخيص : أيوب بن هانىء ضعفه ابن معين/ كتاب المستدرك على الصحيحين

[3]  قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله تعالى في الحدائق: قدمت حليمة ابنة الحارث على النبي بعدما تزوج خديجة فشكت إليه جذب البلاد فكلم خديجة فأعطتها أربعين شاة وبعيرا، ثم قدمت عليه بعد النبوة فأسلمت وبايعت وأسلم زوجها الحارث/ السيرة الحلبية

[4]   وعن عائشة , رضي الله عنها , قالت : كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم إذا ذكر خديجة رضي الله عنها لم يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار فذكرها ذات يوم فاحتملتني الغيرة فقلت له : لقد عوضك الله من حمراء الشدقين كبيرة السن , قالت : فرأيت النبي صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم غضب غضبًا سقط في خلدي فقلت في نفسي : اللهم إنك إن أذهبت غضبه عني لم أعد لذكرها بسوء ما بقيت فلما رأى رسول الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ما لهيت قال : كيف قلت ؟ والله ولقد آمنت بي إذ كفرني الناس وآوتني إذ رفضني الناس وصدقتني إذ كذبني الناس ورزقت مني الولد حين حرمتموه مني ، فغدا علي وراح بها شهرًا. رواه محمد بن يحيى بن أبي عُمَر.

[5]  وَلَمّا انْصَرَفَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْ الْخَنْدَقِ ؛ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي : لَنْ تَغْزُوَكُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ عَامِكُمْ هَذَا ، وَلَكِنّكُمْ تَغْزُونَهُم . فَلَمْ تَغْزُهُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ هُوَ الّذِي يَغْزُوهَا ، حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ مَكّةَ ./ سيرة إبن هشام

[6]  وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ {الأنفال/7}

[7]  "نزلت الآية " التالية بعد معركة بدر بمناسبة أن عمر الخطاب أشار لمحمد أن يذبح الأسرى، ولكن محمدا اتبع نصيحة أبي بكر. ويبدو أن هذه الفكرة ظلت تعتمل في رأسه إلى أن نفذها في اليهود في غزوة بني قريظة:  مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {الأنفال/67}

[8]  تبعا لكتب السيرة، بلغ الجوع أشده بين المقاتلين في صفوف محمد أثناء حصار الأحزال للمدينة. راجع إبن هشام على سبيل المثال.

[9]  أدت فتواي من الأزهر والسعودية لتحليل رضاع الكبير في عصرنا إلى ضجة واحتجاجات واسعة من النساء المسلمات.

[10]  اختصرنا الحديث لطوله، ويرد نفس الحديث في صحيح البخاري، ولو بصيغة أقل فجاجة كما يلي: - حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى{ إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } حتى حج وحججت معه وعدل وعدلت معه بإداوة فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضأ فقلت له يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى{ إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } قال واعجبا لك يا ابن عباس هما عائشة وحفصة ثم استقبل عمر الحديث يسوقه قال كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهم من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه وسلم فينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره وإذا نزل فعل مثل ذلك وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصخبت على امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني قالت ولم تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل فأفزعني ذلك وقلت لها قد خاب من فعل ذلك منهن ثم جمعت علي ثيابي فنزلت فدخلت على حفصة فقلت لها أي حفصة أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل قالت نعم فقلت قد خبت وخسرت أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فتهلكي لا تستكثري النبي صلى الله عليه وسلم ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه وسليني ما بدا لك ولا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد عائشة (ولنص الحديث بقية ولكنها خارجة عن موضوعنا) / البخاري

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

انت انسان رائع

Links

    لا يعني إدراج الروابط التالية أن أبو لهب يوافق على كل ما يرد فيها وعلى وجه التخصيص , فنحن نرفض وندين أي مقالات معادية للقضية الفلسطينية أو القضية العربية