الأربعاء، أغسطس 04، 2010

زواج المحلل - نبذة عن الطلاق في الإسلام

 

الطَلْقةُ المَنْصورَةُ في وَطْئ نِكَاحِ مُحَلِّلِ اٌلْمُطَلَّقَةِ المَقْهُورَةِ

الحكم الشرعي بخصوص عودة المطلقة ثلاثا إلى زوجها

نبذة عن الطلاق في الإسلام:

نعرض في هذا المقال قضيتين هامتين من قانون الطلاق والذي تختلف فيهما الشريعة الإسلامية إلى حد التناقض مع الشريعة اليهودية ، وأول هذه القضايا هي انعدام دور المرأة المسلمة في الإجراءات المؤدية إلى طلاقها مقارنة مع الدور الذي تتمع به نظيرتها اليهودية ، والقضية الثانية هي ما يعرف "بقانون المحلل،" وهو الشرط الشرعي الإسلامي المتعلق بعودة الزوجة إلى زوجها الذي طلقها طلاقا بائنا (أي طلقها ثلاث طلقات).

فالطلاق، أو الفراق ، بين الزوج والزوجة ، خيار متوفر للزوجين في معظم الأمم في العالم، ونحن نقر بضرورة توفر هذا الخيار عندما تدعو الحاجة إليه، وعلى الأخص عندما تصبح الحياة الزوجية جحيما لا يطاق. في مثل هذه الحالات توجد ، في العادة ، قوانين تحمي حقوق الزوجين سواء من الناحية المالية، أومن ناحية المشاركة في تنشأة الأولاد ، أما من ناحية حضارية، فمن الضروري توفر إجراءات طلاق تحفظ كرامة الزوجين ، ما أمكن ، نظرا للضغوط النفسية الشديدة التي يتعرض لها الزوجان وأطفالهما عند الإنفصال. وفي العادة تتولى أجهزة الدولة في غياب اتفاق الزوجين- وهو الوضع الأعم- القيام بالتحكيم بينهما لإنهاء الزواج بأقل ما يمكن من الضرر لكليهما ولأطفالهما.

والأمة الإسلامية مثلها مثل الشعوب التي تسمح بالطلاق، سنت الشرائع والإجراءات لتفعيل مؤسسة الطلاق ، ولكنها للأسف لم توفق ، ولأسباب عديدة ، في سن هذا التشريع البالغ الأهمية بطريقة منطقية تحفظ حق الزوجين وكرامتهما. ذلك أن وضع المرأة العام في المجتمع الإسلامي يتميز عن وضع أخواتها في الكثير من الأمم بالإتجاه الأسوأ ، بسبب سماح الإسلام بتعدد الزوجات وتاريخيا باقتناء الإماء[i] ، ولأن الشريعة الإسلامية تحكم أن المطلقة لا تحصل على أكثر من مهرها المتأخر الذي يقرر عند توقيع عقد الزواج وبغض النظر عن الجهد الذي بذلته في المساهمة في بناء أسرتها، ولأنه لا يسمح لها بالحفاظ على الأطفال بعد أن يتجاوزوا سن السابعة.

وهناك قضية في غاية الأهمية تميز قوانين الطلاق الإسلامي عن الأنظمة في الأمم الأخرى ، وتتعلق بذكورية الطلاق، أي جعله بالكامل تحت سيطرة الرجل ، وحرمان المرأة من رفض الطلاق ، أو حتى الإعتراض عليه أو إبداء وجهة نظرها فيه. فإذا أضيف لهذه الحالة السهولة البالغة التي يستطيع الرجل أن يطلق بها إمرأته ، فإنا نجد أن الكثير من حالات الطلاق في المجتمع الإسلامي تنتج من استغلال الكثير من الرجال لهذه القوانين، إما للضغط على الزوجة من أجل الإمعان في أالسيطرة عليها عن طريق التهديد المستمر بالطلاق – وغالبا ما يؤدي التهديد إلى تفعيل الطلاق وحصوله – وإما استعماله لتبديل الزوجات عندما يكون العدد قد وصل إلى أربعة زوجات[ii]. وقد عانت الكثير من النساء المسلمات من قانون الطلاق المجحف في الإسلام.  

إجراءات تفعيل الطلاق في الإسلام

الطلقتين الأولى والثانية

يستطيع الرجل المسلم أن يطلق زوجته بمجرد التفوه بكلمة الطلاق ، كأن يقول لها "أنت طالق" ، أو بلفظ كلمات لها نفس المعنى بشرط وجود النية[iii]، ولا يشترط لحدوث الطلاق وجود الشهود أو لفظه أمام القضاء[iv] . في الطلقتين الأولى والثانية يتوجب على المرأة أن تقعد العدة في بيت زوجها، أي لمدة ثلاثة أشهر ، وبإمكانه في هذه المدة أن يراجعها ، أي أن يعيدها لذمته بأن يعلن عودتها لفظا، أو أن يأمرها أن تعود لفراشه ، ويعتبر الزواج عندها نافذا بدون عقد زواج جديد وحتى لو راجعها بدون رضاها،. وبهذا فإنه يمكن اعتبار الطلقتين الأولى والثانية ، وفي الحدود الزمنية للعدة الشرعية، شجارا قاسيا أدخلت عليه الطقوس الإسلامية نوعية تميزه عن الشجار العادي بين الأزواج.  وبعد انقضاء مدة العدة للطلقة الأولى أو الثانية، فإن الإسلام يسمح للمرأة أن تغادر بيت زوجها ، وعندها يحل للزوج أن يتزوج امرأته المطلقة مرة أخرى بعقد زواج جديد، ولكن في هذه الحالة تتوجب موافقتها لإعادة الزواج.

الطلقة الثالثة

عند حدوث الطلقة الثالثة ، يصبح الطلاق طلاقا بائنا لا رجعة للزوج فيه، وتقعد المرأة عدتها خارج بيت زوجها لمدة ثلاث حيضات، وبعد انقضاء هذه المدة تكون حرة من زوجها. في حالات الطلاق التي تحدث نتيجة وصول الزواج إلى طريق مسدود ولغرض الفراق النهائي، تنتهي الحياة الزوجية وينصرف كل من الزوجين لتكملة طريقه في الحياة. أما في الحالات التي يطلق فيها الزوج زوجته كاستمرار لعادة اكتسبها من سهولة الطلاق ومن ممارسة الطلقتين الأولتين ، وحين يرغب مثل هذا الزوج في إعادة زوجته إليه، فإنه لا يحق له أن يتزوجها مرة أخرى إلا بعد أن تتزوج رجلا ثانيا، وهذا لن يحدث بالطبع إلا بعد أن يطلقها الرجل الثاني وبعد أن تقضي عدتها منه[v]. ويسمى الزوج الثاني في الشرع الإسلامي بإسم المحلل، وأصل هذا الأسم أن الزوج الثاني يحلل دينيا للمرأة المطلقة طلاقا بائنا أن تعود للتزوج من زوجها الأول . ويشترط في الزواج من المحلل أن يكون "زواجا حقيقيا" وليس حيلة يحتال بها الثلاثة (الزوج الأول ومطلقته ، والمحلل) على الشرع . ولا يكتسب زواج المحلل حقيقيته إلا بعقد شرعي صحيح وبعد وقوع النكح ، أي تنفيذ عملية جنسية متكاملة.

ومع أن هناك خلافا فقهيا في أن التلفظ بالطلاق ثلاثا يعد طلقة واحدة، إلا أن الكثير من علماء المسلمين تجعله طلاقا بائنا[vi]. وسواء وقع الطلاق البائن بتلفظ الطلقات الثلاث في جلسة واحدة، كأن يقول "أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق" ، أو في ثلاثة جلسات متباعدة زمنيا (تسمح بعض المحاكم الشرعية أن يحدث الطلاق البائن في ثلاثة أيام متتابعة)، فإن هذا لا يغير من حقيقة السهولة الكبيرة للطلاق بالنسبة للرجل.

وبالرغم من سهولة فرض الطلاق على المرأة ورغما عن إرادتها، والسماح بحدوثه لفظا بالرغم من الحساسية العاطفية المعروفة التي تحصل بين الأزواج على مر الزمن (في العادة يكون غضب الرجل أشد ما يكون من زوجته وأمه ، والنساء الأكثر قرابة له)، فإن الإسلام لا يتوقف على تحليل مثل هذا الأمر الجلل ، ولكنه يقوم بمعاقبة وإهانة الزوجة المطلقة طلاقا بائنا بأن يفرض عليها أن تمارس الجنس مع رجل آخر قبل أن يحل لها أن تعود لزوجها الأول. والمحصلة التاريخية لهذا القانون الشرعي في إحداث الطلاق، هو أن المرأة غالبا ما تكون الخاسرة خسارة عظيمة في هذه المواجهة .

أما "الحكمة" التي يقدمها المدافعين عن الإسلام بأن هذا التشريع يجعل الرجل يتريث كثيرا قبل القيام بالطلاق البائن، فإنها حكمة مردودة ومرفوضة، لأنها أولا تركز على نفور الرجل أن تمارس زوجته الجنس مع رجل آخر ، ولكنها تتجاهل كليا الإهانة العظمى التي تلحق بالمرأة من هذا القانون. وحسب هذا المنطق، فإن المسلم يستطيع أن يطلق المرأة حسب هواه، ولكن الحكمة الإلهية تحاول أن تكبح فيه الميل نحو الطلاق عن طريق تهييج الغيرة في صدره إن هو أصر على إيقاع الطلقة الثالثة بفرض زواج مطلقته من رجل آخر، وبين كل هذا وذاك تقف المرأة عاجزة أمام الشرع حتى عن إبداء رأيها. بالطبع يمكن للمرأة أن ترفض الزواج من المحلل، ولكن تحت الوضع الحقوقي الإسلامي والواقع الإجتماعي الذي يجعلها ماديا عالة على الرجل، وتحت الواقع المرير بضياع أطفالها، فليس عليها إلا أن تقبل الأهانة، وأن تقبل قدرها بممارسة الجنس مع رجل غيره. ثم أن فاعلية هذا القانون في إثارة غيرة الرجل والمرجو منها ثنيه عن الطلاق البائن تكاد تكون غير موجودة ، بدليل الأعداد الكبيرة من النساء اللاتي تعرضن لمثل هذه الحالة المهينة على مر التاريخ، والتي كانت مصدر معاناة عاطفية ونفسية شديدة عليهن ، وربما بنفس الشدة أو أكثر على أطفالهن. وللأسف فإنا نعجز عن تقديم تقرير أحصائي عن شيوع زواج المحلل وأثره في المجتمع، ولكن خبرتنا الشخصية في المجتمع تؤيد دون أدنى شك هذا الطرح ، كما أن أهمية مقدار نسبة حدوثه في المجتمع لا ترقى إلى الثمن الباهظ الذي تدفعه الأمة الإسلامية نتيجة للإنحطاط المعنوي والأخلاقي الذي يمثله هذا القانون والخلفية المنطقية والإجتماعية الذي بني عليهما من تكريس لذكورية مهيمنة في المجتمع  وتهميش كامل للمرأة وحريتها ومكانتها . وتعج الأدبيات الإسلامية بالحديث عن المأساة المتمثلة بفرض قانون المحلل ، ولحسن الحظ، فقد حفظ لنا التاريخ شهادة من مصدر سني ، يصور لنا المهانة التي يعرضها حكم المحلل في الإسلام للمرأة المطلقة. يذكر إبن القيم في كتابه "إغاثة اللهفان" ، وفي سياق هجومه على قانون المحلل، صورة تاريخية معبرة عن أثر نكاح المحلل على النساء في مصر أيام المماليك. وإبن القيم يتبع المذهب الحنبلي الذي يرفض هذا القانون رفضا باتا، وترد الفقرة التالية في سياق معارضته لزواج المحلل: "ومن مكايده التي بلغ فيها مراده مكيدة التحليل الذي لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم فاعله وشبهه بالتيس المستعار ، وعظم بسببه العار والشنار وعير المسلمين به الكفار ، وحصل بسببه من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد ، واستكريت له التيوس المستعارات ، وضاقت بها ذرعا النفوس الأبيات ، ونفرت منه أشد من نفارها من السفاح وقالت لو كان هذا نكاحا صحيحا لم يلعن رسول الله صلى الله عليه و سلم من أتى بما شرعه من النكاح فالنكاح سنته وفاعل السنة مقرب غير ملعون والمحلل مع وقوع اللعنة عليه بالتيس المستعار مقرون فقد سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم بالتيس المستعار وسماه السلف بمسمار النار فلو شاهدت الحرائر المصونات على حوانيت المحللين متبذلات تنظر المرأة إلى التيس نظر الشاة إلى شفرة الجازر وتقول يا ليتني قبل هذا كنت من أهل المقابر حتى إذا تشارطا على ما يجلب اللعنة والمقت نهض واستتبعها خلفه للوقت بلا زفاف ولا إعلان بل بالتخفي والكتمان فلا جهاز ينقل ولا فراش إلى بيت الزوج يحول ولا صواحب يهدينا إليه ولا مصلحات يجلينها عليه ولا مهر مقبوض ولا مؤخر ولا نفقة ولا كسوة تقدر ولا وليمة ولا نثار ولا دف ولا إعلان ولا شغار والزوج يبذل المهر وهذا التيس يطأ بالأجر حتى إذا خلا بها وأرخى الحجاب والمطلق والولي واقفان على الباب دنا ليطهرها بمائة النجس الحرام ويطيبها بلعنة الله ورسوله عليه الصلاة و السلام حتى إذا قضيا عرس التحليل ولم يحصل بينهما المودة والرحمة التي ذكرها الله تعالى في التنزيل فإنها لا تحصل باللعن الصريح ولا يوجبها إلا النكاح الجائز الصحيح فإن كان قد قبض أجرة ضرابه سلفا وتعجيلا وإلا حبسها حتى تعطيه أجره طويلا فهل سمعتم زوجا لا يأخذ بالساق

زواج المحلل على فقه المذاهب الأربعة

تختلف المذاهب السنية الأربعة في تفسير وتطبيق الآية القرآنية[vii]فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (البقرة/ 230) ،وحديث العسيلة والعسيلة (راجع ملاحظة رقم 10). فقال المالكية والحنابلة ببطلان الزواج بقصد التحليل، وزادوا بأن قالوا أنها إن تزوجت بقصد التحليل فإن الزواج الثاني باطل وأنها لن تحل لزوجها الأول بعد ذلك مطلقا. وتبعا لفقه هذين المذهبين، فإن عودة المطلقة إلى زوجها الأول شبه مستحيلة ، لأن زواجها من الزوج الثاني يجب أن يكون زواجا نيته الدوام دون أي تحايل لإستخدامه لتحليل الزوجة للزوج الأول. ولكن إن حصل بسبب ظروف الحياة أن طلقها الزوج الثاني، فإنها تحل للأول بعد أنقضاء عدتها.

أما الحنفية والشافعية، فقد حللوا نكاح المحلل بنية التحليل للزوج الأول بشروط منها أن يكون العقد صحيحا، وأن يقوم المحلل بنكح المطلقة نكحا كاملا (وكثيرا ما تستخدم كلمة الوطئ في إصرار غريب من الفقهاء على الإمعان في إذلال المطلقة) ، ودخلوا بعد ذلك في تفاصيل دقيقة يندى لها الجبين منها وجوب الإيلاج في الفرج وليس في الدبر، وأن يكون الإيلاج بالذكر فالأصبع لا يحلل، ووجوب تغييب حشفة الذكر في ما وراء البكارة إن كانت عذراء (؟)، وأن تحصل اللذة ، وأن يكون عضو الرجل منتصبا، وألا يكون هناك حائل بين ذكر الرجل والفرج ، ثم اختلفوا في أمور أخرى منها ضرورة الإنزال ، فمنهم من قال بضرورته مثل أبو الحسن البصري، ومنهم من أفتى بعدم ضرورة الإنزال[viii]، واختلفوا أيضا عن حالة المحلل العقلية ووجوب كونه بالغا أو جواز كونه طفلا، وإن كان عبدا أم لا! وللمزيد من هذه الشروط يرجى مراجعة ملحق رقم 1 أدناه.

من أجل حفظ ماء الوجه الإسلامي  ، يتبنى حاليا أغلبية المسلمون المدافعون عن الشريعة الإسلامية الموقفين الحنبلي والمالكي المتفقين على أن زواج المحلل غير مباح إن هو حصل بنية أو بقصد التحليل. غير أن التطبيق الفعلي على مستوى المجتمع يقول عكس ذلك، ومن المعروف والمسكوت عنه أن أتباع مذهب ما يمكنهم أن يتصرفوا حسب مذهب آخر إن كان يتفق مع أغراضهم (لمزيد من التفصيل راجع ملحق رقم 2) .

لهذا فإن التاريخ والواقع يقولان أن قانون زواج المحلل بنية التحليل مقبول وممارس في جميع الأوساط السنية وذلك لترجيح مصلحة المطلقة وأولادها على درجة الإثم الذي قد تقع فيه الزوجة وزوجها والمحلل إن هم تبنوا رأي المذهب الحنفي أو الشافعي. ونكرر هنا أن الضرورة العملية لتوفر نكاح المحلل في قوانين الطلاق الإسلامي تنبع في أساسها من سهولة طلاق الرجل لزوجته.

ولا يفوتنا القول هنا أن الإمام الحنبلي أحمد بن تيمية قد تساهل في هذه المسألة حين قال في مجموع فتاواه: وإذا نزلت بالمسلم نازلة فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان، ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص معين من العلماء في كل ما يقول، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين من العلماء في كل ما يوجبه ويخبر به، بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباع شخص لمذهب بعينه لعجزه عن معرفة الشرع من غير جهته إنما هو مسوغ له، ليس هو مما يجب على كل أحد إذا أمكنه معرفة الشرع بغير ذلك الطريق، بل كل أحد عليه أن يتقي الله ما استطاع ، ويطلب علم ما أمر الله به ورسوله ، فيفعل المأمور ويترك المحظور. أ.هـ (مجموع الفتاوى 20/208-[ix]209.

الخلع أو الطلاق بمبادرة الزوجة

يحدث الطلاق في الشريعة الإسلامية في الغالبية العظمى من الحالات بمبادرة الرجل ، ولكن هناك حالات نادرة يسمح للمرأة فيها أن تطالب بالطلاق ، ويسمى هذا النوع من الطلاق في الخطاب الإسلامي بالخلع. وتسمح السلطات الشرعية به إن "كرهت المرأة زوجها لخَلْقه أو خُلْقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك"[x] ،وقد استدل علماء المسلمين على جواز ذلك من "الآية": "فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به /البقرة 229"  . نلاحظ هنا كيف أن هذه "الآية" تقرر أن المرأة لا تستطيع أن تطالب بالخلع إلا إن افتدت نفسها والفداء لا يكون إلا بالسيولة المالية بمختلف أشكالها، وكأنها أسيرة أو عبدة مملوكة عند زوجها. وبهذا فإن خلع الزوجة لزوجها (فقط بعد إن يحكم القاضي بصحة ادعائها على زوجها لخلل في أخلاقه أو في بدنه أو دينه ) يجبرها على التنازل عن الكثير من حقوقها كالمهر المتأخر مثلا، ووجوب دفع ثمن الأغراض الشخصية ، كالمجوهرات ، وغيره من التكاليف التي دفعها الزوج أثناء الزواج، وتختلف قيمة الفداء المادية تبعا للشروط التي يشترطها الزوج للإذن لها بفراقه. وتختلف الآراء الفقهية حول ما إذا كان يسمح للزوج بأخذ أموال أكثر مما دفع لزوجته أثناء الزواج، والغالبية تقول بجواز هذا مع التحفظ أنه ليس من مكارم الأخلاق. وقد أضاف الإسلام إلى مشقة العامل المادي في إجراءات خلع الزوجة لزوجها، المشقة الدينية ، فجعل الخلع مكروها وبقسوة تقرب من التحريم حسبما ورد في الحديث: "أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة"[xi]، وأيضا: "المختلعات هن المنافقات"[xii]. ومن المعروف في عصرنا أن الكثير من الرجال الراغبين بالإنفصال عن زوجاتهم يستغلون شروط هذا النوع من الطلاق لتجب دفع المهر المتأخر بأن يجعلوا حياة الزوجة جحيما لا يطاق، ليجبروها أن تطلب الخلع.

إشكالان مهمان في عملية تفعيل الطلاق الإسلامي الشرعي

حاولنا في هذا العرض أن نظهر وجود أشكالين كبيرين في إجراءات الطلاق (إن صح تسميتها بذلك) الإسلامية المختزلة : الإشكال الأول يتعلق بالسهولة المبتذلة التي يمنحها الشارع الإسلامي للرجل في تفعيل الطلاق ، أما الثاني فهو جعل الطلاق في يد الرجل والغياب الكامل لأي دور للزوجة في إجراءات الطلاق مثل أن ترفض أو أن تعارض طلاقها من زوجها ، بينما تمنح الشريعة الزوج الحق الكامل في معارضة ورفض طلب الزوجة إفتداء نفسها منه ، مع فرض الشروط الشرعية القاسية التي تسمح للزوجة أن تطالب بالفداء أي الخلع .

نستنتج من هذا البحث الوجيز عن قوانين الطلاق في  الإسلام أنها ذكورية بامتياز ، وانها لم توضع لتأسيس الأسرة القائمة على العدالة والمشاركة بين المرأة والرجل، ولكنها وضعت لفائدته على حساب مصالحها وعواطفها. وقد استرسلنا قليلا في هذا العرض، حتى نبين لاحقا التناقض الكبير بين الطلاق في الإسلام والطلاق في اليهودية، ودافعنا لبيان هذا التناقض، هو أن نبين التعسف الشديد الذي قام به محمد في سن مثل هذه القوانين الحاسمة في حياة المجتمع.

 


 

[i]  تسمح الشريعة الإسلامية للرجل المسلم باقتناء النساء إما عن طريق الإسر، أو الشراء دون وضع أي حد لعددهن، كما تسمح الشريعة للمسلم بممارسة الجنس مع جواريه من دون عقد زواج وبدون أي قيود عدا تحريمه أثناء الحيض أو أن يأتيها من الدبر. لم يتوقف إقتناء الإماء رسميا إلا في ستينيات القرن الماضي عندما أمر الملك فيصل آل سعود بتحريمه في المملكة العربية السعودية ، والأسوء أن التجارة بالنساء لم تتوقف إلا نتيجة للضغوط الغربية المناوؤة للعبودية. وليس لقوانين الطلاق أي علاقة بالجواري حيث أن الشريعة تجيز للمالك التخلص من الجارية عن طريق البيع مع استثناء حالة وجود الأولاد بينهما.

[ii]  ولا يفوتنا في هذا المقام أن نذكر أن كلمة للإمام الغزالي فيما يتصل بتعدد الزوجات، وسبب إباحته بالنظر إلى العامل الجنسى، الذي سبق الكلام عليه في عرض آراء العلماء والباحثين في تعليل ظاهرة التعدد، قال    ومن الطباع ما تغلب عليه الشهوة بحيث لا تحصنه المرأة الواحدة، فيستحب لصاحبها الزيادة عن الواحدة إلى الأربع، فإن يسر الله له مودة ورحمة، واطمأن قلبه بهن وإلا فيستحب له الإستبدال    وعلى هذا عدد الأصحاب وقل فيهم من ليس له اثنتان. (من كتاب الإسلام عقيدة وشريعة للإمام محمود شلتوت، شيخ الجامع الأزهر السابق)

[iii]  للتفصيل ، راجع – مثلا-  كتاب  أحكام الطلاق في الشريعة الإسلامية  لكاتبه مصطفى إبن العدوي، مكتبة إبن تيمية، القاهرة، 1988

[iv]  من الامثلة على هضم الشريعة لحقوق المرأة المتزوجة أنها تسمح للزوج أن يطلق إمرأته وهو غائب عنها (طلاق الغائب) كما أنه يتوجب على الرجل المسلم أن يطلق إمرأته إن أمره والده بذلك: وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قَالَ : كَانَتْ تَحْتِي امْرَأةٌ ، وَكُنْتُ أحِبُّهَا ، وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا ، فَقَالَ لي : طَلِّقْهَا ، فَأبَيْتُ ، فَأتَى عُمَرُ - رضي الله عنه - النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ ، فَقَالَ النَّبيّ  صلى الله عليه وسلم - : طَلِّقْهَا. رواه أَبُو داود والترمذي ، وَقالَ : ( حديث حسن صحيح )، وحكم أمر الأم مثل حكم رأي الأب.

[v] من القرآن:  فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (البقرة/ 230)

من الحديث: جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جَالِسَةٌ وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ تَحْتَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مَعَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ جِلْبَابِهَا فَسَمِعَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ قَوْلَهَا وَهُوَ بِالْبَابِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ قَالَتْ فَقَالَ خَالِدٌ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَا تَنْهَى هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا وَاللَّهِ مَا يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّبَسُّمِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ فَصَارَ سُنَّةً بَعْدُ/البخاري باب التبسم والضحك

[vi]  ورد في كتاب أحكام الطلاق ما يلي حول هذا الموضوع:

ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الثلاث تطليقات المجموعة تقع ثلاثا ولا تحل المرأة لزوجها حتى تنكح زوجا غيره. فمثلا إذا قال الرجل لإمرأته أنت طالق أنت طالق أنت طالق ، حرمت عليه إلا بعد أن تنكح زوجا غيره ثم تطلق فتحل للأول. وأقوى ما استدلوا به فعل عمر رضي الله عنه وإقرار كثير من الصحابة رضوان الله عليهم له على ذلك ....

بينما ذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أن الطلاق الثلاث المجموعة لا تقع إلا واحدة متمسكين بحديث إبن عباس الذي يوضح الحال التي كانت على عهد الرسول وهي أن طلاق الثلاث كان يعد واحدة .....

فالحاصل إن طلاق الثلاث مجتمعة لا يعد إلا طلقة واحدة تحل بعدها المراجعة عملا بما كان على عهد النبي وفي خلافة أبي بكر الصديق وفي صدر خلافة عمر. هذا الذي ندين الله به، وإن كنا نرى أن أكثر أهل العلم يخالفوننا في ذلك ولكن سنة رسول الله أحق أن تتبع.

[vii]  يقدم أحد الناشطون القرآنيون تفسيرا كوميديا لهذه الآيات. راجع مقالة أحمد صبحي منصور المنشورة في موقع الحوار المتمدن على الرابط:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=48051. وحسب السيد منصور، فإن نكاح المحلل إتمام عقد النكاح فقط، ولا يتطلب القيام بالعملية الجنسية، ومع أننا نتفق مع السيد منصور على هذا الحل ، إلا أننا نراه حلا عبثيا وتعسفيا من وجهة نظر الإسلام السني الرسمي وهو بالتأكيد لا يتفق مع الممارسة التاريخية لهذا القانون عبر أربعة عشر قرن من الزمن. ويتمكن القرآنيون من طرح مثل هذه الحلول بإنكار صحة الأحاديث المفسرة للآيات القرآنية، فمثلا ينكر السيد منصور حديث العسيل والعسيلة، ويدعي كلمة النكاح تعني عقد الزواج وأنها لا تعني القيام بالعملية الجنسية.

[viii]  هناك خلافات فقهية حول وجوب الإنزال، ولكن الأغلبية تقرر وجوب  تذوق العسيلة  كما يرد في الحديث الصحيح، وكما سنبين في صدر المقال.

[x]  إبن قدامى في المغنى 7/51

[xi]  عن ثَوْبَانَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  أيُّما امرأةٍ سألت زوجَها طلاقاً في غير ما بأس؛ فحرامٌ عليها رائحةُ الجَنَّةِ .(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه أيضاً ابن الجارود وابن حبان، وقال الترمذي:   حديث حسن  ) /الألباني

[xii]  المختلعات هن المنافقات / عن ثوبان . قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 6681 في صحيح الجامع

 

 

ليست هناك تعليقات:

Links

    لا يعني إدراج الروابط التالية أن أبو لهب يوافق على كل ما يرد فيها وعلى وجه التخصيص , فنحن نرفض وندين أي مقالات معادية للقضية الفلسطينية أو القضية العربية