الجمعة، أبريل 25، 2008

سورة التحقيق

سورة التحقيق

بســــــمك اللــــــهم

بعد دقيقتين من السجود الخاشع من كل الجموع، أخذ النور الإلهي بالفيضان، وعرفته بقلبي قبل أن أعرفه بعقلي. بدأ الضوء يسري كالحلم من أسفل مكان في جذع الشجرة، وأخذ يسيل فيها إلى الأعلى وكأنه دماء، ومع سيلانه بدأت تجاعيد الأوراق في الإختفاء، وتحول ترهل الثمار إلى العبول والإمتلاء، وتهدل الغصون إلى النضارة والإنتصاب، والشيخوخة الشاملة إلى الفتوة والشباب، واشتعلت الحياة صاخبة متفجرة إلى الأعلى ،واندلعت جذواتها في الفروع والأغصان، وفي الأوراق والثمار، وما هي إلا لحظات، حتى تحول القدم الى الشباب، وانتفخت الثمار بالرحيق والحياة، واخضوررت الاوراق وترقرق منها الماء، وانتشت الأزهار وتلونت بآلاف الألون والأشكال، وفاض النور منها إلى ما حولها وإلى كل مكان. وأثناء صعود الحياة والضياء من أسفل الشجرة إلى أعلاها، أخذت الغربان الهرمة الرابضة على أغصان الشجرة بالتغير، فتحول ريشها الشائب إلى زوبعة من الألوان ، وتحول هرمها إلى الشباب، وأصوات نعيقها إلى أجمل الأغان، ثم طارت من مرابضها بفتوة ونشاط ، وأخذت تحوم حول الشجرة بأسراب عجيبة التنظيم، فاتنة الألوان، ومشعة ببديع الضياء ولهفة العنفوان.

بعد أن اكتمل مهرجان الضوء الإلهي باكتساء سدرة المنتهى أبهى حلة ضوئية في الكون، صدرت منها إشارة ضوئية رصدت في المجرات القصية، فانتصب إبليس من سجوده، وتبعته الملائكة ، ووقف أبو مشعل نافخا بصدره البشري ، وظللت أنا راكعا خوفا من أقع في وضع عدم الإحترام مرة أخرى ، فركلني أبو مشعل بحافره الأمامي الأيسر، ركلة أزالت الحيرة من رأسي ، فانتصبت واقفا بجانبه وأنا ممنون له.

قال الصوت الألهي بعظمة وجبروت وجمال أخاذ، وكأنه يحيي سيد الملائكة : إبليس؟!.

ثم سكت.

ويبدو أن الكثير من المعاني خرجت مع تلك الكلمة الفريدة، فطنت الملائكة بالهمس والتسبيح، واللهج والتلميح، فتنحنح إبليس، فسكتت جموعهم في الحال وكأن على رؤوسها الطير.

أستأنف الصوت الإلهي يسري في كياني، وشعرت أن فيه شئ كثير من الغضب: ما كان مقدرا لمحمد أن يقتل في هذا اليوم، لماذا سمحت بهذا يا جبريل؟

قال جبريل وهو يرتعد فرقا: سبحانك اللهم وغفرانك، يبدو أن الحادث وقع نتيجة لخلل في سلطة اللوح المحفوظ في ذلك الحيز من الزمان والمكان.

ثم أخذ يزقزق بلسان الملائكة وبرتابة التسبيح.

قاطعه الصوت الإلهي وفيه رنة من صفة شديد العقاب ومس خفي من المكر الشديد: ألم أحذرك أن لا تحمل رسولي محمدا على أنثى البراق؟ ألم أقل لك أني أعلم ما لا تعلم؟

ركع جبريل على ركبتيه وهو يرتعد فرقا ، منفوش ريش الجناحين، مكسور الخاطر، وكان جسمه يختلج وكأن نفس القوة الخارقة التي خبرتها لحظة خاطبت إبليس كانت تسحقه، ولم يحاول أن يقاوم، أو أن يقل شيئا.

سكت الصوت الإلهي لحظة شعرت بعدها أن كل العيون تنظر إلي، وما لبثت أن شعرت يقينا أن شيئا ما دخل صدري، وأخذ يقرأ كل ما خفي وظهر في قلبي ، ثم وجدتني أجبر أن أعيش كل تفاصيل حادث قتل ريحانة لمحمد بالتسلسل، من أولها إلى آخرها، ولعجبي كانت التفاصيل التي تدور في قلبي تظهر مصورة وكأنها حقيقة في الفراغ ، على شراع سفينة كبير، أثبتته الملائكة بين صاريين شاهقين بين سدرة المنتهى وكثيب الوفود، ومع كل جزء من الحدث المرير، كان هدير الملائكة يصعد ويطيح ، إلى أن تحول إلى رعد شامل مستمر، بعد أن عرضت الصور التي سردت كيف رفصت ريحانة محمد الرفصة الكاسرة، وأودعت رأسه الضربة القاتلة، ولأسفي لم تتوقف قراءة قلبي عند هذا المكان من القصة، فتوالت قراءة وتصوير قلبي، وكان من مدعى خجلي وحرجي، أن أظهرت القراءة التحقيقية بوضوح كامل، أمام الملأ الحاضر، استثارتي الجنسية التي غمرتني بعد أن رأيت إبن أخي محمد يداعب أثداء ريحانة ، حاكية بكل تفصيل، ما كنت أحلم وأمني قلبي أن أفعله بتناسيم وجسمها الفتان. رأت جموع الملائكة ذلك فسار بينها هرج ومرج، وأخذت تقذفني بما تيسر لها من جواهر كبيرة، بعضها لؤلؤ وبعضها مرجان، أي منها خير من الدنيا وما فيها، وأتبعت قذائفها الماسية واللؤلية، بقطع ذهبية، أصابت إحداها أخمص قدمي، فشجت أصبعه الأيسر، فصرخت ألما

فصرخ جبريل: يا ملائكة السوء انضبطوا، وحق النجوم التي فطر، إن لم تحترموا قدسية المكان والزمن، لأطردنكم جميعا من هذا المثول الذي ندر، بين يدي الله وبين يدي الأمير إبليـ...

ولكنه سكت وانكتم قبل أن يتم التلفظ باسم إبليس، فإحرج وخر على ركبتيه فأسعفته الملائكة بأن سكتت جميعا والتزمت الصمت خوفا عليه وشفقة به.

تكررت بعد ذلك قراءة تفاصيل حادث قتل ريحانة لمحمد من صدر أبي مشعل فأظهرت قصته ما حدث من وجهة نظره، فظهرت غيرته الشديدة وغضبه المريرلاعتداء محمد على إبنة قبيلته ريحانة أم الرياحيين ، وأظهرت أنه كان يمني نفسه سرا بأثدائها على الرغم من قديم العهد والصداقة لزوجها الشيخ شمعون الحكيم، فبكت ريحانة وبكى معها أبو مشعل خجلا وخزيا ، وابتسمت أنا راضيا لأن قصته حولت الإنتباه عني وأنست الملائكة سوء أمري.

وتلى ذلك قراءة تفصيلية لذاكرة ريحانة فعم البؤس والأسى والغضب والتقزز، والحياء والخجل، والإحراج والمهانة، ساحة السدرة من أولها إلى آخرها ومن أسفلها إلى أعلاها، وبكت حشود الملائكة، نعم، وبكى معها إبليس. وعندما عرضت صور الرفسة القاتلة، وترددت أصداء رنتها من حافر ريحانة إلى قلبها لتثلجه، صفقت الملائكة وهتفت لريحانة التي طحنت رأس محمد، وظهر الرضى على وجه إبليس فابتسم.

قراءة صدر جبريل أظهرت كيف حذر محمدا عند المسجد المرواني من التعدي على عفة ريحانة، وأنه لم يرى من تفاصيل الحدث الجلل إلا نهايته، فظهرت على وجهه علامة البراءة، فاستبقه علام الغيوب وما تخفي الصدور: لقد كانوا تحت علمك يا جبريل، وكنا أمرناك أن تضبطهم، فمحمد وعمه من طين، وأبو مشعل وريحانة من ضد الطين، فأنت اليوم مسؤول يا جبريل. واستمرت إعادة تسلل الأحداث تظهر إلى أن انتهت بصفعة أبي مشعل لي على ظهري بذيله فوق الكثيب، فضحكت الملائكة وغضب إبليس فصرخ بها أن تسكت فسكتت في الحال ، بالكمال والتمام.

قال الصوت الإلهي بعد نهاية التحقيق: الآن نقضي بالعقاب في يومنا هذا يوم الحساب، وما كنا قد قدرنا أن يكون حساب حتى اليوم المعلوم، ولكن شبق محمدا وعمه أبا لهب أربكا كل حساب.

قال الصوت الإلهي مخاطبا جبريل: تبين سجلات اللوح المحفوظ أن هناك أدعية منك يا جبريل تتوسلني فيها أن أتراجع عن وعدي لأبي لهب بأن أهبه تناسيم كما أنا محيطون بخطتك للهرب معها واللجوء إلى عالم الشياطين في حمى إبليس إن نحن لم نجب دعائك

قال جبريل وهو يتمرغ ألما على أرض السدرة المقدسة: أنت أعلم العالمين، غفرانك يا أرحم الرحمين

قال أرحم الراحمين: اليوم أقضي أن أمحي أي أمل لك بالوصال بها. أحضروا إلي ميكائيل طبيب السماء وحكيمها، فهو أعلم ملائكتي بدقائق الأمور.

 


ليست هناك تعليقات:

Links

    لا يعني إدراج الروابط التالية أن أبو لهب يوافق على كل ما يرد فيها وعلى وجه التخصيص , فنحن نرفض وندين أي مقالات معادية للقضية الفلسطينية أو القضية العربية