الجمعة، مايو 18، 2007

سورة البراق

سورة البراق

بســــــمك اللــــــهم

في تلك الليلة كنت أشعر بالسعادة وكانت شهيتي للطعام قد تفتحت بعد عدة أيام من الأرق الشديد. أعدت لي أم جميل عشاء كبيرا من لحم جمل وليد، فرشته فوق قصعة كبيرة من الثريد، وأكرمت نفسي وزوجتي بقلة من نبيذ دمشق العتيق، كنت اكتريتها في رحلة شتاء بعيد. كان العشاء لذيذا وشهيتي متفتحة، فأكلت كمية كبيرة ، وتواطئت الخمر مع الطعام، فتثاقلت حتى أنني لم أستطع أن أذهب إلى الكعبة للقيام بطواف العشاء، ونمت على الفراش حيث تعشيت بثيابي وعمامتي.

بعد نحو من الساعة، أو هكذا بدا لي، طرق أحدهم الباب بقوة، فنهرت أم جميل بقدمي أن تقوم لتفتحته، فلم تجب بأكثر من أنة جاءت من أعماق النوم. واستمر الطرق، فخشيت أن توقظ الجلبة آل محمد وآل معيط، فقمت متثاقلا وفتحت الباب، فإذا بمحمد وخلفه كائن أدخل الروع والعجب في نفسي: كان وجهه الأبيض على احمرار وسيما إلى حد الجمال، يشع ضياءا أنار كل باحة منزلي الداخلية بشعاع هادئ لطيف، وكان جسمه الفتي القوي مكسوا بحلة من السندس الأحمر بنفس لون عمامته التي كانت مزينة بالياقوت وحبات لؤلؤ بحجم سنام حوار من الجمال. وقف خلف محمد يسد الباب من الجهتين وكان يهتز ببطئ وكأنه سفينة على بحر هادئ، من خلال دهشتي لاحظت أن له جناحين يملآن الافق وكانا يصفقان بشدة ولكن بدون صوت. سمعت محمدا وكأن صوته جاء من أعماق بئر يقول: هذا جبريل يا عماه جاء ليفاوضك في موضوع إسلامك.

قلت محاولا إخفاء خجلي من عدم التصديق به وأنا الآن آراه عيانا مرفرفا أمامي، ولساني يتعثر بين أسناني: أهلا بجبريل أهلا بجبريل وبمن معه. تفضلا بالدخول، لا يزال عندنا بعض من نبيذ الشام. صرخت بحماس: يا أم عتبة .... أوقفني عندها محمد عن الكلام بوضع يده فوق فمي!

قال جبريل بصوت عميق جهوري: لا يا أبا لهب، دعنا نذهب إلى مكان هادئ حتى لا نوقظ أحدا. ولم أكد أتقدم خطوة باتجاه محمد حتى قفزت أمامي دابة عجيبة، حجمها فوق الحمار ودون الحصان، مركب عليها جذع ووجه إنسان، وكان لها جناحان يهتزان، ولكن أيضا بدون هدير أو دويان.

قال جبريل: إركب.

قلت: ما أنا براكب.

قال جبريل: إركب يا أبا عتبة.

قلت: ما أنا براكب.

قال محمد وقد ظن أني خفت من المخلوق الماثل أمامي: إركب يا عماه، لن يمسك ضر منه.

قلت: يا ابن أخي، ويا سيدي جبريل: إني والله لأستحي أن أركب رجل حتى ولو كان له جسم حصان.

قال الرجل صاحب جسم الحصان بفصاحة: لا تستحي يا أبا عتبة هذه طبيعة عملي التي خلقني الله سبحانه من أجلها، وإنه لمن دواعي الشرف العظيم لي أن يمتطيني عم رسول الله.

من دهشتي لم أدري إلا وأنا فوق هذا الحصان البشري الطائر، أو البشر الحصاني ذو الحوافر، الذي أنبأني عن نفسه أنه من قبيلة بني براق، وأنهم يعملون في الجنة كوسيلة السفر الوحيدة للشهداء والصالحين، لسمو طبقاتها السبع، ولتراميها اللانهائي الأطراف، وضرورات حفظها من التلوث البيئي. كان محمد يطير بجانبي على براق مماثل الجسم ولكن وجهه كان أكثر رزانة وبدا أنه كان أكبرسنا من براقي بسنوات كثيرة. ودلت عبارات وجهه عن الجهد العظيم الذي كان يبذله لمواكبة براقي وجبريل في طيرانهما السريع. حلقنا جميعا من فوق جبل أبي قميس ودرنا في الجو، وفي لحظات، وصلنا إلى جبل عرفات، وحام بنا جبريل حوله سبع دورات، للتأكد من خلوه من مسترقي السمع من الأنس والجان ، بعد الطواف، هبطنا على سفحه الشرقي فوق الصخور بالقرب من القمة. أنزلني البراق برفق ، وجلست بجانب محمد وأنا أصارع دهشتي وحرجي على صخرة ناتئة، وطفا جبريل أمامنا وكأنه معلق من جناحيه الهائلين، الذين وبالرغم من رفرفتهما العظيمة السرعة، كانا يبقيان جسمه ثابتا وكأنه راسخ في الأرض. وللتاريخ أؤكد هنا أن جبريل ظهر لي بصورته الحقيقية، وليس بصورة دحية الكلبي الذي كانت تربطني بأبيه صداقة قوية، وأؤكد أيضا أنه لم يملك إلا جناحين إثنين وليس كما يدعي البعض ستة مئة جناح، وفي رأيي أن الإدعائات عن عدد أجنحته الكبير قد نتجت من خلط عدد الريشات الستمائة بعدد جناحيه الإثنين.

بعد أن غادرنا البراقين إلى مسافة أمن جبريل أنهما لن يسمعانا منها قال: يا أبا عتبة، أنت تعلم كيف أحدث اعتراف القرآن باللات والعزى ومناة مشكلة كبيرة لدين الله بين المؤمنين ، حتى أن بعضهم تراجع عن الأسلام، ونحن الآن مشغولين بتداعيات هذه الأزمة وتدارك نتائجها، والآن جئتنا تريد أن تسلم ؟ وهذا كما تعلم سيحدث تناقضا في كلام الله ، وسيجبرني على نسخ سورة المسد بالكامل. وقد بحثت الأمر مع الله سبحانه وتعالى فقال أن نسخ هذه السورة أمر من المحال ، لأنه سيترتب على نسخها أمور في غاية الخطورة تتعلق باللوح المحفوظ.

قلت: وما اللوح المحفوظ يا سيدي جبريل.

قال: هو السجل الإلهي لكل ما كان وما سيكون في هذا الكون.

قلت متظاهرا أني فهمت ما اللوح المحفوظ: فما العمل إذن؟ هل تظن يا سيدي جبريل أني بعد أن رأيتك عيانا أمامي أني سأتراجع عن أسلامي وعن شرف الإنضمام لدين محمد؟ فوالله الذي نفسي بيده ، أنه لا أله إلا الله وأن إبن أخي محمدا رسول الله.

 

ليست هناك تعليقات:

Links

    لا يعني إدراج الروابط التالية أن أبو لهب يوافق على كل ما يرد فيها وعلى وجه التخصيص , فنحن نرفض وندين أي مقالات معادية للقضية الفلسطينية أو القضية العربية