الأربعاء، سبتمبر 08، 2010

تدبر في وحدات الحسنات والسيئات

تدبر في وحدات الحسنات والسيئات

فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره

تعتبر المعايير أو الوحدات في القرن الواحد والعشريين أحد الأسس التي تبنى عليها الحضارة. وتتراوح هذه المعايير من بساطة المتر والكيلوغرام ودرجة الحرارة الكلفنية ، إلى تعقيدات معايير الإتصالات اللاسلكية ومتاهات بروتوكولات طيران البراق عبر المجرات القصية. وبدون الإتفاق على هذه المعايير والإلتزام بها ستصبح حياتنا صعبة للغاية ، تماما كما كانت في القرون الماضية. ومن هذا الباب أوحي إلي أن أطرح موضوع وحدات الحسنات والسيئات في الإسلام، وسأبدأ طرحي بوصف حالة خيالية:

وقف محمد ، وهو مسلم ملتزم بدلالة غياب العقال عن الشماغ من على رأسه، وقصر ثوبه الناصع البياض الذي وصل إلى ما فوق جراباته السوداء ، عند تقاطع شارعين مزدحمين في انتظار إشارة المرور للتغير من الأحمر إلى الأخضر، ووقفت بجانبه فتاة ملتزمة بالحجاب والنقاب ومن بينهما وقف الشيطان يفرك قرنه، وكعادته غض محمد الطرف ولاذ بالذكر والإستغفار من الفتنة العبلاء المخبئة تحت السواد ، فسكنت كفة السيئات في ميزانه وهمهمت كفة الحسنات. وقبل أن تتغير إشارة المرور ، تحرك الشيطان – لعنه الله – فقفزت الفتاة لقطع الشارع، وبحركة فطرية يشوبها بعض من وسوسة ، امتدت يد محمد لتحضن الفتاة من الخلف ، وتسحبها إلى أمان الرصيف منقذة إياها من موت محقق تحت عجلات الهمر التي صرخت مسرعة عبر التقاطع وسائقها يطلق أصبعه الأوسط من نافذة العربة نحو السماء احتجاجا على تعرض الفتاة له.

بالطبع، تثاقلت كفة الحسنات إلى الأسفل، مسجلة لمحمد مثقال حسنة واحدة لإنقاذه الفتاة ، ولكن وبنفس الوقت تقريبا ، رجحتها كفة السيئات بمثقال سيئة واحدة لأنه استمتع بلمسه لجسد الفتاة لحظة إنقاذها بالرغم من قصر اللمسة. عندها تنبه ملاك الميزان فقام بصب تسعة مثاقيل من الحسنات لجعل الحسنة بعشرة أمثالها، وفاز محمد بأن أصبحت المحصلة النهائية لهذا الحدث الوجيز عشرة حسنات مقابل سيئة واحدة.

ولكن هل تعكس هذه الأرقام توزيعا عادلا للحالة التي حدثت؟ ذلك أن ثقل الحسنة من أنقاذ الفتاة من الموت، يجب منطقيا أن يفوق بآلاف المرات ، إن لم يكن بملايين المرات ثقل سيئة لمس الفتاة. أم هل يا ترى أن كثافة حسنة الإنقاذ تفوق أصلا بوحداتها ونوعيتها كثافة سيئة لمس صدر الفتاة من الخلف؟

لا شك أن حواسب البيت المعمور مبرمجة لمعالجة مثل هذه الحالات، ونحن نعلن جهلنا بمبادئ البرمجة الإلهية للحسنات والسيئات ، ولكن هذا لا يعني ألا نحاول أن نتدبر في المقادير النسبية للحسنات والسيئات، خصوصا أن الإسلام والمسلمين ينغمسوا كثيرا في أرقام الحسنات وتأثيرها على الميزان الشخصي للمسلم، فمثلا تساوي الركعة في الحرم المكي مائة ألف ركعة للصلاة في فناء بيت الله ، بينما تساوي الصلاة جماعة سبعة وعشرين مرة الصلاة المنفردة.

بديهيا ، فإن جواز ضرب الحسنات بالإرقام ينتج سؤالا في غاية الأهمية عن تقسيمها، وبالتالي يتحول السؤال إلى سؤال علمي فلسفي عن إمكانية تقسيم مثقال الحسنة إلى ما لا نهاية أم أن له وحدة صغيرة لا تقسم بعدها؟ وينطبق نفس المنطق على السيئة.  وفي رأينا المتواضع ، وبالأستدلال على تاريخ القوانين الطبيعية (إنظر إلى الجدل الذي قام في إمكانية تقسيم المادة إلى مالانهاية وما أدى له هذا الجدل من اكتشاف الذرة) أن تقسيم الحسنة سيؤدي بنا إلى ذرة (ذرات) للحسنات لا تقسم سنطلق عليها أسم "حسينة" (أي تصغير حسنة) أو ذرة الحسنات، وأن تقسيم السيئة سيؤدي بنا إلى سيئة صغرى لا تقسم سنطلق عليها إسم "سييئة" (أي تصغير سيئة) أو ذرة السيئات. ونستدل على هذا التقسيم من الآية الكريمة: فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يرهوبمراجعة أعمال الإعجازيين الأفذاذ في ربط هذه الآية وغيرها بذرات الفيزياء المادية، فإنه يصبح من الواضح أن كلا من الحسينة والسييئة تعبر عن وحدات قيمية كوانتية  متناهية في الصغر، ولكنها لا تقسم إلى وحدات أصغر منها.  بقى الآن اكتشاف الرقم الذي سنضرب به هذه الوحدات الذرية للحسنات والسيئات ، لإستخراج مقدار ثقل أبسط الحسنات التي يمكن أن يكسبها الإنسان بناء على الفرضية المنطقية أن الحسينة أو السييئة لا يمكن استشعارهما بسبب صغرهما المتناهي ، واسترشادا بالكيمياء ، فإنا نقترح بتواضع أن نستعمل رقم أفوغادروا (Avogadro's number = 6.0221415 × 1023) وللتيمن بأعمال إعجازيينا الملهمين نقترح أيضا أن نسميه الرقم الزغلولي للحسينات والسييئات ، وللإختصر نسميه الزلغلل. وبهذا فإن وحدة الحسنة والسيئة التي تستطيع ملائكة التسجيل أن تستشعرها هي رقم الزلغلل مضروبا بالوزن القيمي للحسينة أو السييئة.

والسؤال الذي يقع علينا ونجدنا مجبرين على وطئه هو هل يمكننا الإستطراد في المقارنة مع الفيزياء والكيمياء؟ ونجيب بالعودة إلى تقييم حالتنا الإفتراضية عن محمد وحسنائه المتلفعة بالسواد ، فنقول ، بعد الإتكال على العزى، والإستعانة بعلم مناة، وحكمة اللات، أن مثقال حسنة إنقاذ الفتاة من الموت لا بد أن تكون مركبة بطريقة نوعية فريدة من حسينات الإنقاذ من الموت بشكل يماثل إختلاف ذرات العناصر الفيزيائية، وأن لمثل هذه الذرات الإنقاذية وقع ووزن أعظم على ميزان الحسنات والسيئات، ولا بد أن يتشابه هذا التركيب ، ولو بطريقة مجازية ، مع تكوين الجيزئات الكبيرة والمعقدة من الذرات. ولهذا فإنه لا بد من ابتداع ، وكل بدعة في النار، جدول دوري لذرات الحسينات والسييئات بما فيه كيفية تفاعلها الكيماوي-الحسناوي-السيئاوي. وبهذا يتضح أن العشر حسنات التي غنمها محمد في إنقاذ حياة الفتاة المعباة (أي صاحبة العباية السوداء) تفوق في وزنها القيمي بكثير ثقل السيئة الواحدة التي اكتسبها عندما لامس بذراعه صدر وكواعب الفتاة.

هذا التبدر في آيات القرأن يوجهنا دحما إلى سؤال ليس منه مفر وهو قرين طرحنا أعلاه:  هل توجد الحسينات والسييئات كماهيات مادية تسبح في الفضاء وليس علينا إلا قطافها (أو تجنبها) بإعمالنا ؟ في رأينا ، سواء أكان متواضعا أم لا، فإن المادة المظلمة (dark matter) التي يزعم العلماء أنهم اكتشفوها حديثا تدور من حول المجرات هي المرشح الأول للإجابة على هذا السؤال.

ولن ندخل الآن في متاهة ما تكسب الفتاة من حادثنا الإفتراضي، أو ما كانت لتكسب لو أنها كانت فتى متخفي بعباءة  فتاة،  ونترك هذا البحث لزمان وكيمياء أخرى.

 

هناك 7 تعليقات:

سعيد يقول...

مبهرررر وجميل حفظتك اللات. كنت أتفكر فعلا في قيمة الحسنة وأستغرب كيف أنها يمكن أن تنتفخ إلي سبعمائة ضعف إلي أضعاف كثيرة، فما معني أضعاف كثيرة؟؟ هل عجزت الله عن تحديد كثيرة هذه؟ ثم يقول في الحديث السخيف أن من استهان بالصغائر صارت كبائرا؟؟!! ماذا يعني هذا؟ كيف تغير الاستهانة من قيمة السيئة؟ وما هي الكبيرة؟ هل هي سيئة لا تغتفر بسهولة؟ فهي إذا ليست سيئة وإنما أكبر من عدد أفوغادرو في كوانتوم السيئات؟ يقال أيضا أن أصحاب محمد كانو ينظرون إلي السيئات علي أنها جبال توشك أن تقع عليهم، أعتقد أن ذالك مهم لحساباتك الدقيقة.
تحياتي

غير معرف يقول...

بصراحه التفاته رائعة في تحليل هذا المصطلح الديني الذي يتجرعه كثير من الحمقى حتى بلا تدبر اشكرك على هذا الجهد العقلي الرائع ، على كل حال حد علمي ان الذرة لغه واصطلاحا في زمن كتابة القرءان المقصود بها نوع صغير جدا من انواع النمل يمكن مشاهدته بالعين المجردة واذا اعتبرنا جرم هذه الحشرة وحده قياس للحسنات والسيئات فيجب ان نبحث هل المقصود جحمها ام كتلتها ام وزنها وهذا الامر مهم جداً في تقرير مصائر البشر ، خاصة الملحدين حيث ان ارصدتهم في بنوك الرب تبلغ مليارات من السيئات الخالصة
واذا سايرنا زورا اهل الاعجاز العلمي واسقطنا مفهوم الذرة القديم على الذرة بالمفهوم الفيزيائي المعاصر فأننا ايضا لن نصل لتحديد واضح فذرات العناصر تختلف لانها نفسها مركبة الكترون وبروتون ونيترون وطاقه محزومه كما يعلم ابسط ملم في علم الكيمياء بل حتى على مستوى العنصر الواحد ونظائره ابتداء من ذرة الهيدروجين وانتهاء بذرات العناصر الثقيله التي تزيد كتلتها مئات المرات عن ذره الهيدرجين فما المقصود بذره بالضبط في ظل هذا التفاوت الكبير يارعاك الله

مع تحيات ادم عبد الحي

Godless يقول...

هل يستعمل الله ميزان الكتروني ام انه مازال على الميزان الميكانيكي القديم؟ ثم لماذا يحتاج الله الى ميزان من اساس ؟! لماذا لا يعرف بنفسه من حسانته اكثر واقل. جزاك الله 5000 زغلل حسنة يا أبو لهب على الموضوع الخطير.

Abu Lahab يقول...

الزملاء سعيد، غير معرف، Godless Saudi

أشكركم جميعا شكرا حارا على الكلمات الرقيقة والتشجيع، وأعتذر لتأخري في الرد

وقد ساعدتني تعليقاتكم على تعديل الموضوع وتحسينه ،

يبقى الآن أن نقترح إنشاء مسارع كبير لتفتيت الحسينات والسييئات لمعرفة مكوناته الأساسية

أطيب التحيات والأماني
عبد العزى 

jeffry يقول...

كيف حالك يا أبا لهب؟
هل لا زلت تكتب في هذا المنتدى أم على الفايس بوك أم في منتدى الملحدين؟
وصدقني تحليلاتك من الجانب المنطقي جيدة لكن هل ينفع المنطق مع الميتافيزيقيا؟
سؤال لطالما حيرني أرجو أن تشاركني فيه,
وتقبل تحياتي,

Abu Lahab يقول...

العزيز jeffry

شكرا على زيارتك، وأعتذر مجددا لعدم قدرتي للرد سابقا على التعليقات التي تركتها في مدونتي.

بالرغم من أن ظروف العمل منعتني من الكتابة لفترة طويلة، إلا أني أجازف أحيانا، كما في هذا الرد، وأفتح مدونتي للكتابة والرد. ومدونتي هذه هي المكان الوحيد الذي أنشر فيه، أما ما ترى على الفيس بوك فهي لأشخاص آخرين ولا أعرف عنهم إلا القليل. راسلني واحد منهم وقد وضعت لموقعه رابطا على مدونتي تحت إسم "تقمص آخر لأبو لهب" وهو يستخدم نفس الصورة التي وضعتها في مدونتي.

أما بالنسبة لملاحظتك أن المنطق لا ينفع مع الميتافيزيقيا فإني أشاطرك همك ولكن ما العمل؟ كثيرا أشعر أني أنشط في حوار طرشان، ولكني أعتقد أنك توافقني أنه لا بد من القيام بواجبنا وعمل شيئ ما.

أطيب التحيات والأماني
عبد العزى

Land of chaos يقول...

ههههههههههه
انت خليت القرقاع كتاب للارجوزات

بس هو الكتاب المفضل للسجان

Links

    لا يعني إدراج الروابط التالية أن أبو لهب يوافق على كل ما يرد فيها وعلى وجه التخصيص , فنحن نرفض وندين أي مقالات معادية للقضية الفلسطينية أو القضية العربية