الأربعاء، أغسطس 04، 2010

نكاح المحلل- مقدمة

 

الطَلْقةُ المَنْصورَةُ في وَطْئ نِكَاحِ مُحَلِّلِ اٌلْمُطَلَّقَةِ المَقْهُورَةِ

مقدمة

بداية، نود أن نوضح للقارئ أننا نفرق بين محمدين: الإنسان التاريخي الذي نشط في بيئة وثقافة عصره، فأبدع في قيادتهم وتمكن أمام تحديات شبه مستحيلة من توحيدهم تحت راية واحدة، وفي نظرتنا أن هذا المحمد يستحق احترام وامتنان كل العرب لعبقريته وشجاعته والتي لولاها لما دخل العرب التاريخ وأثروا فيه بالقدر الذي وصلوه. أما محمد الآخر، فهو الصنم الميثولوجي الذي شاده لمحمد التاريخي أتباعه عبر القرون والذي رفعوا بموجبه أقواله وأعماله، بما فيها القرآن، إلى مرتبة القدسية الإلهية ، وبهذا قيدوا أنفسهم وباقي من آمن بهذا الصنم معهم من الشعوب الأخرى بقوانين وشرائع جامدة لا تتغير مع تغير الزمن والحاجة. وربما أهم من هذه أن هذا "التصنيم" لتراث محمد قيد الفكر العربي ومنعه من الجهاد لتحقيق طاقته الإنسانية ليصل بحضارته المستوى الذي تحققه الآن الشعوب الأخرى. ونطمح في هذا المقال أن نحفر في كتب الحديث والسنة في محاولة لفصل محمد الصنم عن محمد التاريخي، وذلك من خلال مثال معين من القوانين التي وضعها ، وسيكون جهدنا في هذا المقال مركز على التحقيق في الظروف التي قادت إلى سن قانون المحلل في الإسلام.

ومن المتفق عليه أن الإسلام ، بالإضافة إلى أسس عقيدته، استقى الكثير من قوانينه الشرعية من الديانة اليهودية . ومع أن تدوين الشريعة الإسلامية بدأ في العراق في القرن الهجري الثاني ، إلا أن نفوذ اليهودية في الإسلام بدأ  يترسب في التراث الإسلامي مع بداية بعثة محمد في مكة (كما تشهد سورة الكهف مثلا) وبلغ هذا النفوذ أوجه بعد هجرة محمد وأتباعه إلى يثرب. ومن ناحية علمية ، فإن حدوث هذا التأثير كان حتميا وطبيعيا ، سواء من الناحيتين الإجتماعية والحضارية [i] أو من النواحي العسكرية والسياسية ، وذلك لأن معظم شرائع الإسلام فرضت في  جو يثرب التي شملت قبائل قوية من اليهود المتعربة أو العرب المتهودة . وقد حدث هذا التأثير إما مباشرة عن طريق التعامل الإجتماعي والسياسي بين المسلمين وبين اليهود،  وإما عن طريق غير مباشرة من خلال تأثيرهم الإجتماعي واختلاط أنسابهم مع سكان يثرب العرب قبل هجرة محمد إليها[ii].

أما من الناحية الدينية فإن تأثير الشرع اليهودي على الشرع الإسلامي بدأ مع بدء هجرة محمد إلى المدينة، وهذا إما مصرح به في  نصوص القرآن والسنة، وإما مستدل عليه من التشابه الكبير بين الكثير من الأحكام الشرعية الإسلامية وقوانين التلمود اليهودية. بعد حوالي العامين من التقرب لليهودية من قبل محمد، واستمرار اليهود في رفض اعتناق الإسلام والإنقياد لمحمد كنبي بمنزلة أنبياء اليهود ، بدأ محمد بالعدول عن سياسة التقارب وإنقلب بدلا منها ليمارس سياسة تمييز الإسلام عن اليهودية. وقد بدأ هذا التغيير بالرموز الدينية أولا مثل تغيير اتجاه القبلة من القدس إلى مكة وما لبث أن تحول بسرعة إلى عداء مفتوح حسم بالقتال والحرب وأدى إلى طرد أغلبية يهود المدينة وذبح جزء كبير منهم. وبسبب هذا العداء ، فإنه يمكن تصنيف التأثير اليهودي على الإسلام إلى نوعين ، الأول نقل إيجابي بمعنى اقتباس القوانين من اليهودية ، ورفض سلبي بمعنى تشريع قوانين نافية أو معاكسة للقوانين اليهودية كما حدث في تحويل اتجاه القبلة من القدس إلى مكة، ونطمح أن نثبت في هذا المقال أن تشريع نكاح المحلل وضع ليعارض قوانين الطلاق اليهودية .


[i]  تشير رواية تاريخية أن اليهود كانوا يعلموا أولادهم القراءة والكتابة في المدينة راجع المقال:

Zayd B. Thabit,  A Jew with Two Sidelocks : Judaism and Literacy in Pre-Islamic Medina (Yathrib) , Michael Lecker,  Journal of Near Eastern Studies, Vol. 56, No. 4 (Oct., 1997), pp. 259-273

[ii]  يشير نص دستور المدينة الذي وقعه محمد بين مختلف مجموعاتها السكانية أن الكثير من العشائر المدينية العربية احتوت بينها الكثير من العرب الذي اعتنقوا الديانة اليهودية.

 

ليست هناك تعليقات:

Links

    لا يعني إدراج الروابط التالية أن أبو لهب يوافق على كل ما يرد فيها وعلى وجه التخصيص , فنحن نرفض وندين أي مقالات معادية للقضية الفلسطينية أو القضية العربية