الخميس، أغسطس 19، 2010

ساعة مكة

ياسين الشوك ونظرياته العلمية وحرامية علي بابا

عاد موضوع "المؤتمر العلمي" الذي عقد في الدوحة عن "ساعة مكة" ليشغل الكثير من صفحات الجرائد والإنترنت بمناسبة قرب الإنتهاء من بناء ساعة مكة بالقرب من الحرم. وعلى الرغم من أني مبهور بهذا المشروع من ناحية معمارية وجمالية، إلا أن إستغلاله من قبل بعض المتعملمين والإعجازيين الإسلاميين دعاني أن أعيد نشر هذا المقال في المدونة، وكنت قد نشرته سابقا كتعليق في موقع إبن كريشان على مقاله المنشور على العنوان التالي: http://benkerishan.blogspot.com/2008/08/blog-post_17.html وأعيد نشره هنا بعد الإذن من العظيم إبن كريشان.

وكأن العرب لا يكفيهم نكد هذا الزمان ، طلع علينا في السبت الماضي أحد المتمعلمين "بإختراع علمي فريد" قوامه ساعة تدور عقاربها بعكس دورة العقارب المعروفة. ويقول "مخترع" هذه الساعة ، والذي قال لصحيفة "العرب" الصادرة في قطر بتاريخ 02-02-2008 أنه "حاصل على دبلوم في المساحة التصويرية من جامعة بلغراد عام 1968، وعلى دبلوم في الدراسات البوليسية من جامعة كراجويافاس - يوغوسلافيا سابقا عام 1969، وبعدها نال دبلوما في تجميع الآلات الدقيقة من معهد شامبري في فرنسا. وفي سنة 1971 حصل على دبلوم عال في الآلات الدقيقة من معهد البوليتيكنيك في جنيف." .وقد عرض مخترعنا الكبير اختراعه هذا في "مؤتمر علمي" عقد في الدوحة بتاريخ 4-20-2008 بحضور الدكتور القرضاوي والدكتور زغلول النجار ، وغيرهما من جهابذة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. ويبدو أن ثقافة السيد ياسين الشوك العالية في العلوم البوليسية وعلوم تصليح الساعات (طبعا بالإضافة إلى علم الإفلاس التجريبي الذي يحمل معظم الفلسيطيين فيه شهادة دكتواره) قد أوحت له باختراع ما أسماه "ساعة مكة" أعتمادا على النظريات "العلمية" التالية:

  1.  مكة مركز الأرض

  2.   الدوران الفطري للأشياء يجب أن يكون من اليسار إلى اليمين ، ومن أمثلته على ذلك دوران الحجيج حول الكعبة، والدورة الدموية في جسم الإنسان، ودورة الكواكب حول الشمس ودورة الأرض حول نفسها (أقسم أني رأيت في أحد المقالات أنه قال أيضا دورة الإلكترونات حول نواة الذرة ولكن يبدو أن أحد العارفين قال له "إنته اتجننت؟"

  3. مكة مركز "الإنجذاب المغناطيسي"

  4.  الخط الجغرافي الواصل مكة إلى المدينة إلى القدس يجب أن يكون خط التوقيت الدولي بدلا من خط غرينتش.

  5. خطوط الطول في الكرة الأرضية يجب أن تكون 390 درجة وليس 360 كما هو معترف به حاليا.

وفي ما يلي تعليقي على هذه الخزعبلات الزغلولية – الشوكية:

  1.  مكة ليست مركز الأرض ، وقد نشرت حول هذا الموضوع في مدونتي تحليلا كاملا وأثبت فيه ، وتبعا للتعريف الذي تبينته عن أن مركز مساحة جغرافية ما يحسب عن طريق عزم المساحات ، أن مركز اليابسة على الأرض يقع في غرب دولة تشاد في الصحراء الكبرى.

  2.  أي دوران بعكس عقارب الساعة يصبح دوران مع عقارب الساعة إذا نظر إليه من الجهة المقابلة. فمثلا إذا ركبنا البراق وحلقنا به "فوق" المستوى المداري لمجموعتنا الشمسية (أي باتجاه القطب الشمالي) لرأينا الكواكب تدور بعكس عقارب الساعة ، ولكن إن نهرنا البراق (مع بعض الأدب) ليطير بنا تحت المستوى المداري لمجموعتنا الشمسية لرأينا الكواكب تدور مع عقارب الساعة. وتجربة بسيطة مع شخص آخر تثبت ذلك بكل بساطة. حرك أصبعك بحركة دائرية باتجاه عقارب الساعة وأسأل شخصا يقابلك عن اتجاه الدوران ، طبعا سيقول أنه بعكس عقارب الساعة. ومن الطريف أن السيد ياسين يقول أن الكواكب تدور بالفطرة حول الشمس ، فأي فطرة تمتلك الكواكب؟ ربما هي نفس الفطرة التي جعلت الجبال ترفض أن تحمل الأمان!

  3. مكة مركز الإنجذاب المغناطيسي ، بالطبع هذا كلام فارغ يفضح جهل قائله ، ولكن الدكتور النجار طوره بأن قال أن البوصلة واتجاه الشمال كما يعرف بنجم الشمال يتطابقا تماما. وبغض النظر عن أن العلم الحديث يحدد اتجاه الشمال بإتجاه محور دوران الأرض ، فإن الحقل المغناطيسي للأرض دائم التغير حتى أنه يعكس اتجاهه باستمرار في فترات زمنية على مستوى مئات الآلاف من السنين.

  4.  الأحداثيات المعتبرة للكرة الأرضية تبدأ من محور دوران الأرض (1) ، وهو الخط الوهمي الواصل بين القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي ، وهذا الخط هو خط طبيعي لا يتغير بسبب الزخم الزاوي للكرة الأرضية angular momentum وهو بهذا يشكل اختيارا ممتازا ومرتبطا بالطبيعة كخط الصفر للإحداثيات الكروية. بعد ذلك اختار العلماء خط الإستواء ليقع في منتصف المسافة الزاوية بين القطبين. من هاتين النقطتين ، أي نقطة القطب الشمالي ونقطة القطب الجنوبي، ودائرة خط الإستواء ، قسمت الأرض إلى خطوط عرض تعرف بدوائر كاملة شمال وجنوب خط الأستواء وبتقسيم الدوائر الشمالية والجنوبية إلى تسعين درجة لكل منها ، ثم أخذ خط طول إعتباطي (أي ليس له أي دلالة طبيعية) يصل من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي مرورا بخط غرينتش . وإلى الشرق من هذا الخط قسمت الأرض إلى 180 درجة وإلى الغرب منه قسمت إلى 180 درجة ، أي بجموع 360 درجة. وقد اعتمد هذا التعريف لإحداثيات الأرض بعد منافسة شديدة بين فرنسا وإنكلترا ، حيث حاولت فرنسا أن تجعل خط الصفر الإحداثي يمر بالقرب من باريس ، ولكن بريطانيا كسبت السباق بسبب نفوذها العسكري والسياسي.

وباستخدام هذه الخطوط يمكن تحديد موقع أي نقطة على سطح الأرض بتحديد تقاطع خط الطول مع خط العرض المارين بها. كما أن خط غرينتش اعتبر كخط الصفر للتوقيت الدولي. من هذا فإن هناك أمرين "إعتباطيين" في نظام الإحداثيات المستخدم حاليا: الأول هو اختيار خط غرينتش كخط الصفر لخطوط الطول ، وتقسيم الأرض خطوط الطول إلى 360 درجة وخطوط العرض إلى 180 درجة. بالنسبة لخط غرينتش ، فهو كما أسلفنا يتبع الشرط الأساسي لخطوط الطول ، أي أنه يبدأ من نقطة القطب الشمالي ، ويمر بقرية غرينتش ، ثم ينتهي بالقطب الجنوبي. أما بالنسبة للخط الواصل من مكة إلى المدينة ، فهو لا يمر بالقطب الشمالي أو بالقطب الجنوبي، وقد قمت بقياس سريع باستخدام غوغل إيرث فوجدت أنه يبعد عن كل من القطبين بحوالي ثلاث مائة كيلومتر. أي أن هذا الخط لا يصلح أن يكون خط طول. بالطبع بالإمكان اختيار خط طول يمر بين القطبين ومكة فقط ، أو بين القطبين والمدينة فقط، ولكنه ليس بالإمكان جعله يمر بالقطبين والمدينيتن معا (2). أما إن حاولنا أن نجعل هذا الخط يمر من مكة إلى المدينة إلى القدس، فإنه سيكون خطا مكسرا وبالطبع لن يمر في أي من القطبين.  . بعدها يبقى للدكتور زغلول النجار والبوليسي ياسين الشوك أن يقنعوا المجتمع الدولي أن يتبعوا هذا الخط (أي خط يمر بين القطبين ومكة) وعملية الإقناع ستطلب تغيير كما هائلا من الكتب والنشرات وآلات القياس بتكلفة ستبلغ البلايين من الدولارات، وستطلب جهدا ووقتا لعقود من الزمن.

  1.  أما بالنسبة لتقسيم الأرض إلى 390 درجة ، فإني لم أستطع أن أجد أي تبرير علمي منشور من السيد الشوك حول هذا الموضوع. تم تقسيم الدائرة والكرة إلى 360 منذ زمن حضارات ما بين النهرين، وقد اتبع هذا التقسيم كل الحضارات العالمية (غير متأكد بالنسبة للحضارة الصينية) ومن مزايا هذا الرقم أنه يقسم الكثير من الأرقام (1، 2، 3، 4، 5، 6، 8، 9، 10، 12، 15، 18، 20 ......) وبالطبع تبنته الحضارة الإسلامية . ومع أن هذا الرقم لا يمثل أي ظاهرة طبيعية إلا أن إعتماده عبر آلاف السنين يجعل تغيره إلى رقم آخر (390) ضرب من المستحيل وخصوصا لإقترانه بالرقم الطبيعي 3.1415 أي نسبة محيط الدائرة إلى قطرها. ومن الأمور التي أتطلع لمعرفتها هو كيف قسم السيد الشوك الدقائق والثواني ، هل سيستخدم ستين دقيقة في الساعة أم أنه سيستخدم رقما آخر.

أكتظت نصوص الأخبار عن المؤتمر الشوكي الزغلولي بالتباهي أن السيد الشوك حصل على برائة اختراع من سويسرا وفرنسا ، وكأن تسجيل برائة اختراع يعد أمرا علميا يدعو للفخر. ولكن الحقيقة المعروفة أن الحصول على برائة اختراع لا يعني بالضرورة وجود أي علاقة بين الإختراع وبين العلم. فمثلا يوجد عدد هائل من براءات الإختراعات لألعاب الأطفال ، أو لمواد البناء ، أو لبرامج الكمبيوتر، كل ما يحتاجه الحاصل على براءة أختراع هو ألا يكون أحد قد سبقه إليها وأن يكون قادرا على دفع المبلغ الكبير لتسجيل الأختراع. ولغياب أي معلومات أخرى من السيد الشوك وراعيه الدكتور النجار عن الساعة المكية ، فإني أكاد أجزم أنه ما حصل على برائة الأختراع إلا لأنه جعل عقارب ساعته تدور بعكس عقارب الساعة المعروفة ، ولأنه قسم الدائرة إلى 390 درجة. وبهذا لم يجد مسجل الإختراع إلا الموافقة عليه لعدم وجود أي "اختراع" آخر يشبهه. يبقى أن نقول هنا أن الإكتشافات العلمية تكتسب مصداقيتها من نشرها في المجلات والنشرات العلمية والتي لا تنشر المقالات فيها إلا بعد مراجعة من العلماء العاملين في نفس الموضوع .

يبدو أن السيد الشوك وراعيه الدكتور النجار سيجنيا الكثير من الأرباح من بيع الساعة المكية للجمهور المسلم ، ولن استغرب أن حصل الدكتور القرضاوي بعضا من العمولة من هذه المغامرة التجارية. ومع أني مع جني الأرباح بطريقة مشروعة، إلا أن ما يقوم به هؤلاء "العلماء" وأشباه العلماء هو اللصوصية بحد ذاتها ، فأين نواطير قطر عن ثعالبها؟ أسكرها نتن الزيت إلى هذا الحد؟ ، وأين علماء جامعات الخليج ؟ أين علماء المسلمين ؟ متى سنعرف أنا وصلنا إلى قعر الإنحطاط الخلقي والعلمي ؟(3)


(1) أنقر على هذه الكلمات لمشاهدة فيديو رائع يصف الأحداثيات الجغرافية المعتمدة حاليا.

(2) باستخدام غوغول إيرث (Google Earth) ونصف قطر الأرض المنشور في الويكيبيديا (6378 كم) نحسب أن المسجد النبوي يبعد 21.79 كم (شرقا) عن خط الطول المار بالكعبة . وقد استخدمنا في هذه الحسابات أن الكعبة تقع على خط الطول  39.826178 والمسجد النبوي على خط طول 39.611142 وخط عرض 24.475. وبالنظر الى غوغل إيرث نرى أن خط الطول المار بالكعبة يقع خارج انتشار البناء العمراني للمدينة كما يرد في الصورة أدناه.

(3) بعد كتابة هذا المقال في عام 2008 وجدنا حديثا المقالين الإسلاميين التاليين والذان يتفقان مع طرحنا في هذا الموضوع:

هناك تعليقان (2):

الموريتاني يقول...

أحسنت للعزي درك عزيزي أبا لهب. بالمناسبة إن صديقك الشوكي هذا لم يخترع الساعة التي تدور بعكس عقارب الساعة العادية وإنما سرقها من فيلم:
The Curious Case of Benjamin Button
من بطولة براد بيت، والذي يولد فيه براد بيت كهلا بالتزامن مع تركيب ساعة تدور عكس عقارب الساعة العادية ثم مع مرور الزمن "يكبر" براد بيت ليصبح صغير إلي أن يموت وهو رضيع!!! بالتزامن أيضا مع تفكيك تلك الساعة الغريبة. أرجوا أن تشاهد الفيلم لتحكم بنفسك.
المثير أن المهندس الذي بني الساعة بنفسه كان قد فقد ابنه في الحرب وقد بناها نوعا ما من أجل رد الساعة أو الزمن إلي الوراء، وفي رأيي أن شوكيك هاذا إنما يريد هو وأتباعه أن يردو الزمن إلي الوراء بغبائهم وجهلم المعهود. تحياتي ودمت بكل خير وعافية

Abu Lahab يقول...

العزيز الموريتاني: شكرا على زيارة مدونتي وعلى تعليقك

الحقيقة أني لم أسمع بهذا الفيلم من قبل، وسأسعى لرؤيته في الحال، ولكن الرمزية التي تذكرها في تعليقك فاتتني، وهي أن جعل عقارب الساعة تدور بالعكس، يتوافق مع أهداف وأفعال أخوتنا المسلمين بإرجاعنا إلى الخلف والتخلف بدلا من التقدم.

أطيب التحيات والأماني.

Links

    لا يعني إدراج الروابط التالية أن أبو لهب يوافق على كل ما يرد فيها وعلى وجه التخصيص , فنحن نرفض وندين أي مقالات معادية للقضية الفلسطينية أو القضية العربية