الخميس، مارس 13، 2008

أنزلنا الحديد: الرد التاريخي


الرد التاريخي على زعم الإعجاز القرآني في إنزال الحديد

 (نشر هذا القسم سابقا كمقالة منفردة مع بعض الزيادات الطفيفة)

للتوافق مع الصورة القرآنية العامة للكون يجد الإعجازيون المسلمون أنهم ملزمون بتفسير عبارة "وأنزلنا الحديد" على أنها تعبر عن سقوط الحديد من الأعلى )السماء (إلى الأسفل )سطح الأرض (على شكل نيازك حديدية وصلت إلى الأرض من خارج مجموعتنا الشمسية (السماء؟(، وانصهرت بعد ارتطامها بالأرض ثم استقرت لثقلها في مركزها. ويبدو أن الحرص على التأكيد أن الحديد أنزل من خارج مجموعتنا الشمسية يؤُكد في هذه الأعجوزة للتوافق مع صورة الأرض/ السماء التي تخيلتها ثقافة جزيرة العرب في القرن السابع الهجري والتي تبناها كاتب القرآن. وهناك حديث نبوي يؤكد هذا المعنى: وقد حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن علباء بن أحمر، عن عكرِمة عن ابن عباس، قال: ثلاثة أشياء نزلت مع آدم صلوات الله عليه: السندان والكلبتان، والميقعة، والمطرقة- من تفسير الطبري.

البحث التاريخي في أصل تكنولوجيا تصنيع الحديد يفيد بأن لصورة تنزيل الحديد من السماء أصولا تاريخية موغلة في القدم. ويقسم أغلب المؤرخون التاريخ البشري من ناحية تكنولوجية إلى ثلاثة عصور ، الحجري ، والبرونزي ، ثم العصر الحديدي. ويأتي العصر الحديدي كآخر هذه المراحل لصعوبة تصنيع الحديد ولحاجة تقنيته إلى تقدم تكنولوجي معين لإستخراج الحديد من خاماته الطبيعية ، مثل الأفران القادرة على صهر هذه الخامات على درجة حرارة تقرب من 1500 درجة مئوية ، والحاجة ألى الحجر الحراري ومعدات خاصة لتشكيله إلى أسلحة وأدوات أخرى بإمكانها تحمل درجات حرارة التصنيع العالية مثل الملاقط الطويلة والمطارق الثقيلة.

شكل 1: نيزك هوبا الحديدي في نامبيا وبوزن نحو من ستين طنا، فهو أكبر نيزك حديدي معروف على سطح الأرض. ويقدر العلماء أن هذا النيزك ضرب سطح الأرض قبل أكثر من 80،000 عام ، ويبدو أن هذا النيزك احتفظ بكتلته عبر الزمن لضخامة حجمه واستحالة تقطيعه إلى قطع صغيرة صالحة للتصنيع بسبب صلابته الشديدة وغياب الأدوات القادرة على تكسيره. للمزيد من المعلومات راجع الموقع التالي: http://giantcrystals.strahlen.org/africa/hoba.htm

وتشير الحفريات التاريخية أن الإنسان عرف الحديد بدئا من 4000  سنة قبل الميلاد ، وفي معظم مناطق الحضارات القديمة في حوض البحر المتوسط والصين والهند. إلا أن كل استخداماته في هذه الفترة الزمنية لم تتجاوز استخدام قطع صغيرة للزينة أوللطقوس الدينية ، وربما استخدامه كمعدن نفيس للتبادل التجاري كما تشير وثيقة تنسب للحطيين في أناضوليا بأن الحديد كان يستبدل بالفضة بنسبة ثقل واحد من الحديد لأربعين ثقلا من الفضة. وتشير التحاليل الكيميائية إلى أن النماذج الحديدية التي اكتشفت في حفريات هذه الفترة التاريخية تتكون بالإضافة إلى الحديد من معدن النيكل بنسب تتراوح بين خمسة إلى ثلاثين بالمائة ، مما يشير قطعا إلى أن هذا الحديد استخلص من النيازك التي كانت تسقط على الأرض، كما أن وجود النيكل يساعد في تجميل لون الحديد النيزكي ويعطيه القدرة على مقاومة الصدأ. وفي مقالة بعنوان "استخدامات حديد النيازك " . يوثق تأ. ريكارد (T. A. Rickard  ) استخدمات حديد النيازك في مختلف مناطق العالم، بدئا من شعوب منطقة الشرق الأوسط مثل الأشوريين والحطيين والمصريين ، إلى شعوب الصين والهند ، منتهيا بحضارات الإنكا في أمريكا الجنوبية. وحسب هذا المقال، ومقالات أخرى فإن كل الشعوب التي استخدمت الحديد النيزكي في هذه الأزمنة كانت تحيطه بهالة من القدسية والتبجيل وتنسب له قوى خارقة. فمثلا أسماه السومريون "نار الآلهة " ، كما استخدم الحطيون إسما بنفس المعنى وهناك مخطوطة حطية قديمة تذكر أنه بينما يستخلص الذهب من "بيرونودا" والنحاس من تاغاستا، وهي أسماء أماكن في أناضوليا، فإن "الحديد يأتي من السماء". أما الأسم المصري القديم للحديد "بيا-إين-بيت" فقد ترجم بمعنى "لمعان البرق الآتي من السماء" . وفي العبرية تعني كلمة "بارزيل" ومساويتها في اللغلة الأشورية "بارزيلو" والمشتقتان من كلمة "بارزو- إيلي" "معدن الإله" أو "معدن السماء" . كما أن التشابه بين كلمة حديد في اللغلة الإغريقية (سيدورو أوσιδηρο  الأغريقية وكلمة نجوم سيديرا sidus, sidera  ) في اللغة اللاتينية ، وتقديس الرومان للنيازك الساقطة من السماء ووضعها في معابدهم ، تعني أن الإغريق والرومان أيضا عرفوا الحديد في تاريخهم القديم كمعدن مرسل من السماء.

 وحتى عندما ننظر إلى الحضارات البعيدة في تأثيرها عن منطقة الشرق الأوسط ، نجد نفس هذه المفاهيم القديمة ، فاللغة الجورجانية مثلا، لا زالت للآن تستخدم كلمة  tsis-natckhi للدلالة على معنى الحديد ، وتعني "شظايا السماء" . كما يعتقد بعض اللغويين الغربيين أن أصل كلمة iron الأنكليزية ، أي حديد ، مشتقة من كلمة قديمة تعني "الآلهة".(راجع الويكيبيديا بالإنكليزية) وفي أساطير التبت ، يحتل الحديد النيزكي ، أو "حديد السماء"غنامإيكاجس gnam-  icags)  أعلى مكانة في المواد المستعملة لتمثيل "إله الحجارة" (vajra) ولتصنيع الأسلحة الحديدية ، لأنه حسب اعتقاداتهم الدينية سقي من قبل الآلهة في رحلته عبر السماء. وهناك أمثلة أخرى في أدبيات الأنثروبولوجيا من حضارة الانكا في جنوب أمريكا بنفس المعاني أعلاه.

في عصرنا الحديث تعرف العالم المتحضر على الكثير من الشعوب التي كانت لا تزال تعيش في مرحلة مشابهة للعصر الحجري. وبين هذه الشعوب ، اكتشف الرحالة والجغرافيين أمثلة أخرى على التعامل مع الحديد كمعدن قادم من السماء. ويعطي الأسكيمو في منطقة الدائرة القطبية الشمالية مثالا على ذلك. فقد سجل الرحالة الأمريكي روبرت بيري Robert Peary في عام 1894 عندما زار خليج ميلفيل (Melville Bay) أسطورة تداولها الأسكيمو عن ثلاث نيازك حديدية تقول عنها أنها كانت  خيمة وإمرأة وكلب قذفتها السماء إلى الأرض. وبعد أن عاين بيري هذه النيازك ، قدر وزنها بثلاثة وثلاثين طنا لنزيك "الخيمة" وثلاثة أطنان لنيزك "المرأة" وتقريبا نصف طن لنيزك "الكلب". وقد لاحظ هذا الرحالة بعد أن عاين مادة النيازك الثلاث أنها اختلفت اختلافا كليا عن صخور المنطقة التي نزلت بها. وقد ذكر السيد بيري أن حديد نيزك "المرأة" استغل لأجيال عديدة من قبل الإسكيمو حتى فقد نصف وزنه، وروى أن الأسكيمو كانوا يمشوا إلى موقعه من مئات الاميال حاملين الحجارة القاسية التي تعلموا أن يكسروا بها بعد جهد كبير أجزاء صغيرة من النيزك للإستعمال , وتشهد أكوام كبيرة من الحجارة ، وآثار مساكن مؤقتة في ذلك الموقع على هذا الإستعمال. وقد جمع بيري بعض الأدوات الحديدية التي صنعها الإسكيمو من هذا النيزك. وقد أحضرت النيازك الثلاث فيما بعد لتعرض في متحف نيويورك للتاريخ الطبييعي (مصدر 14).

أما في أستراليا ، فيسمي السكان الأصليين (aborigines) موقع الزخة النيزكية التي ضربت منطقة ينابيع أليس في شمال أستراليا قبل خمسة آلاف عام ، والمسماة حاليا بفوهات هينباري (Henbury Crators)  "درب الشمس و حجارة الشيطان النارية (يذكرني هذا الإسم بالأسطورة القرآنية أن الشهب حجارة لرجم الشياطين). ويبدو أن أساطيرهم التي لا زالوا يتداولوها موغلة جدا في القدم.

لا يوجد هناك شك أن العرب عرفوا النيازك الحديدية قبل الإسلام، فالسماء الصافية في معظم ايام السنة ، والأرض الصحرواية المكشوفة تعطيهم ميزة أكبر من الشعوب الأخرى في رؤيتها والعثور عليها. ونذكر هنا بيتين من الشعر "الجاهلي" يذكر فيهما المعلقاتي لبيد إبن الربيعة هذه الظاهرة وصفا دقيقا:

   بلينا وما تبلى النجوم الطوالع      وتبقى الجبال بعدنا والمصانع

وما المرء إلا كالشهاب وضوئه    يحور رمادا بعد إذ هو ساطع

ومن سيرة إبن هشام (الموسوعة الشاملة-الإنترنت): [ فزع ثقيف من رمي الجن بالنجوم وسؤالهم عمرو بن أمية ]

قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم حين رمي بها ، هذا الحي من ثقيف ، وأنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له عمرو بن أمية أحد بني علاج - قال وكان أدهى العرب وأنكرها رأيا - فقالوا له يا عمرو : ألم تر ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم ؟ قال بلى ، فانظروا ، فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها في البر والبحر وتعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس كانت نجوما غيرها ، وهي ثابتة على حالها ، فهذا لأمر أراد الله به هذا الخلق فما هو ؟

ومع أن هذا خروج عن الموضوع ، إلا أنه من الطريف أن  نلاحظ أن هذا الرجل ، أي عمرو إبن أمية بن علاج ، أثبت أنه أكثر علما من مؤلف القرآن الذي ادعى أن الشهب رجوما للشياطين.

إضافة إلى ذلك هناك روايات تاريخية تشير إلى أن خبرتهم بها بما يختص بمعدن الحديد لم تختلف عن خبرة الشعوب الأخرى. فمثلا هناك قصة عن سيف عنترة بن شداد تروي أنه كان قد صيغ من "حجر سقط من السماء " ، ومع أن رواية عنترة كتبت بعد الإسلام ، فإنه من المنطقي أن يكون لهذه الروايات الأسطورية خلفية واقعية وارتباط حقيقي مع حديد النيازك الساقطة في جزيرة العرب. وتساعد طبيعة صحاري جزيرة العرب وجفافها في حفظ مخلفات النيازك الساقطة . وفي مقال نشر في مجلة Scientific American   عام 1992، قامت بعثة بزيارة موقع نيزك "وبر" الذي كان قد زاره جون فيلبي في عام 1932 .  وحسب قياسات وتحاليل هذه البعثة ، فإن هذا النيزك كان قد ارتطم بصحراء الربع الخالي قبل نحو من مائة وخمسة وثلاثين عاما ، ولكن أبحاثا أخرى تشير إلى إختلاف كبير في تقدير زمن سقوطه . وتشير أثار سقوطه والحفر التي تركها إلى أن ارتطامه بالأرض تساوى مع انفجار قنبلة ذرية بحجم قنبلة هيروشيما ( ما يعادل انفجار 12000 طن من متفجرات ت.ن.ت ) مما يجعل أثر سقوطه مرئيا من أمكان بعيدة جدا، هذا إضافة إلى الخط الناري الذي تركه في الغلاف الجوي أثناء سقوطه. وتبعا لهذا المقال، فإن الموقع لا زالت تنتشر فيه شظايا صغيرة من الحديد التي أثبتت التحاليل الكيميائية أنه حديد نيزكي لإحتوائه على نسبة عالية من معدن النيكل . ويعتقد الكثيرمن العلماء أن الحجر الأسود الموضوع في جدار الكعبة جاء من هذا النيزك (إن صحت حسابات عمره القديم) أو من نيزك مماثل، وضعه الوثنيون العرب في الكعبة كأساس لقدسيتها.

شكل 2: صورة توضح لما حدث لنزيك وبر الذي ضرب صحراء الربع الخالي . عندما اصطدمت مادة النيزك (حديد + نيكل) في الرمل، حميت الرمال وذابت واختلطت مع مادة النيزك لتكون ما يعرف "بزجاج وبر" والمكون من 90% من مادة الرمل، و 10% من مادة النزيك من حديد-نيكل. ومن لون هذه المادة ، ومظهرها العام ، يعتقد الكثير من العلماء أن حجر الكعبة الأسود أخذ من شظايا هذا النيزك أو من شظايا نيزك مماثل. للمزيد راجع هذا الرابط: http://www.unb.ca/passc/ImpactDatabase/images/wabar.htm

من كل هذا، يتكون دليل تاريخي تراكمي وبين مختلف شعوب الأرض يثبت أن مقولة إنزال الحديد من السماء كانت عامة لدى معظم شعوب الأرض في العصرين الحجري والبرونزي ، وأن أصل هذه المقولة يأتي من معرفة الشعوب القديمة بالنيازك الحديدية ، ويغلب على هذا الدليل ربط النيازك بالآله بسبب محدودية العلوم في هذه الأزمنة القديمة.

بدأ استخدام الحضارات القديمة للحديد في أدوات عملية نافعة مثل السلاح ، باستخدام الحديد الصافي المستخلص من النيازك الصغيرة أو القطع النيزيكية المكسرة من النيازك الكبيرة ، وهناك إثباتات علمية وحفرية تزيل أي شك في هذا. ويمكن تلخيص طريقة تصنيع الحديد من هذه القطع النيزكية بأنها كانت تحمى لدرجات حرارة عالية ، ولكن أقل من أن تصهر الحديد، ثم طرقها لتتخذ الشكل المناسب للأداة المطلوبة. وبالطبع فإن هذه الطريقة في صناعة الحديد جعلت انتشاره محكوما بتوفر النيازك الحديدية وهو توفر نادر، حيث تشير السجلات التاريخية أن معدل سقوط النيازك المرئية لا يزيد عن ستة نيازك في السنة ، وهذا الرقم محدود لتقيده برؤية النيازك في المناطق المأهولة. وتبعا للأحصائيات ، فإن النيازك الحديدية لا تزيد عن عشرة بالمائة ، وتتكون النيازك الأخرى من مواد صخرية.

في نحو من 1200 عام قبل الميلاد، بدأت صناعة الحديد من الحديد الخام المتوفر بكثرة قرب سطح القشرة الأرضية بالإنتشار بين الشعوب، وقد نالت الهند قصب السبق لهذه الصناعة ، وتبعتها الصين حتى ماثلت الهند في الجودة وتفوقت عليها بالكمية في القرون الأولى بعد الميلاد. بالمقارنة مع تقدم هذه الشعوب في تصنيع الحديد، تخلفت الحضارة الإسلامية عن مجاراة هذه الشعوب في تقنيات تصنيع الحديد من المواد الخام، وظلت تعتمد عليها في شراء الحديد شبه الخام. فحتى سيوف دمشق الأسطورية في قسوتها كانت تبدأ من سبائك حديدية مصنوعة في الهند، وقد تدنت جودة هذه السيوف بعد أن انقطع مصدر هذه السبائك الهندية. وقد يكون هذا التخلف التكنولوجي في تصنيع الحديد بإلإضافة إلى التخلف في تطوير نظام حكم متقدم من أهم الأسباب في سقوط الإمبراطورية الإسلامية.

من هذا العرض التاريخي المبسط نرد على ادعائات الدكتور زغلول النجار بالنقاط التالية:

  1. آية إنزال الحديد من السماء (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ) لا تزيد أن تكون تعبيرا عن أن العرب قد شاركوا الشعوب القديمة في إعتقادها أن الحديد يأتي من السماء وذلك من خبرة محلية اكتسبوها بأم أعينهم من مشاهدة النيازك الساقطة فوق جزيرتهم عبر القرون. وهذا الإعتقاد من جانب العرب معقول ويتوافق مع المعلومات المتوفرة للحضارات السابقة للعرب في العصرين الحجري والبرونزي، حيث أن الإنسان لم يكن قد تعلم حتى ذلك الحين طريقة استخلاص الحديد الأرضي وتصفيته من خاماته المتوفرة بالقرب من سطح الأرض. وخامات الحديد المعروفة مركبات من أكاسيد الحديد أو غيرها من المواد الكيماوية والتي لا تمتلك أي من صفات حديد النيازك الصافي . بكلمات أخرى ، فإن القرآن لم يأتي هنا بمعجزة ، ولكنه أثبت عرفا يعود في قدمه إلى العصر الحجري. وديمومة الأساطير والعلوم القديمة في مخيلة الشعوب، خصوصا المتأخرة حضاريا أمر معروف ولا زلنا نراه في مسلمي اليوم.  

  2. أما كلمات (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) فهي لا تزيد عن أن تذكر أن الحديد كان أصلب المعادن المعروفة في زمن محمد وهذه حقيقة عرفتها كل شعوب الأرض التي استخدمت الحديد وقبل زمن محمد بنحو من خمسة آلاف عام. وربط هذه الكلمات بطريقة تكوين الحديد في قلوب النجوم العملاقة لا يدل على أي إعجاز علمي، ولكنه يدل على خيال خصب وواسع للإعجازيين المسلمين. ولا ينبغي أن يفوتنا هنا أن نذكر "المساهمة العلمية" الوحيدة التي قدمها القرآن عن النجوم لم تزد عن وصفها بأنها مصابيح لتزيين السماء في أعين الناظرين، واستعمالها لرجم الشياطين التي تسترق السمع لأخبارها، فمثلا:

وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ {الملك/5}

وأيضا: وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ {16} وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ {17} إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ {الحجر/18}

وأيضا: وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ {7} لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ {8} دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ {9} إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ {الصافات/10}

والحقيقة أني أصاب بالخبال كلما تذكرت كيف يستمر حملة شهادات الدكتوراة بأن القرآن منزل من عند الله عندما يقرأوا هذه "الآيات". ولكن يبدو أنه لا يوجد حدود للخيال الإنساني عندما يتعلق الأمر بالحياة بعد الموت.

  1. كانت مكة بشكل خاص , وإلى حد مشابه المدينة ، متخلفة تكنولوجيا عن الحضارات المحيطة بها مثل فارس والروم والهند، فلم يعرف تجار مكة ولا مزارعي المدينة طرق تصنيع الحديد من المواد الخام ، ولكنهم كانوا يحصلون على حاجتهم من سلاح ودروع عن طريق التجارة مع هذه الشعوب. وقد أدى هذا الجهل بطرق صهر الحديد وتصنيعه من المواد الخام، إلى ديمومة ثقافة العصر الحجري عن أصل الحديد ونزولهمن السماء في المجتمع العربي "الجاهلي" ، استمرار هذه في عصر الإسلام عن طريق تثبيته في القرآن بآية "إنزال الحديد" ، ويؤيد هذا الرأي الجو الأسطوري الذي يحيط القرآن به الحديد مثلما نرى في قصة ذو القرنين: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا {96} فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا {الكهف/97} ، ومثلها قصة داوود: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ {10} أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {سبأ/11} وهي آيات تضفي هالة تعظيم للحديد ومن يعلم تكنولوجيا تصنيعه تتوافق مع اعتقاد محمد أنه نزل من السماء.

  2. إن تجاهل "علماء المسلمين" من الإعجازيين لهذه الحقائق والتي يمكن الوصول لها بسهولة عبر صفحات الإنترنت ، تثبت أن النزاهة والأمانة العلمية مفقودتين عندهم ، وأهم من ذلك  فإنها تثبت أنهم غير كفوئين وغير مؤهلين لتعليم شبابنا وشاباتنا وحمل الثقة التي يضيفها لهم لقب "علماء".  العار الأكبر ، والطامة العظمى ، هو أن تسمح الأغلبية الساكتة من علمائنا الكفوئيين لهذه الشرذمة الكاذبة والمتكسبة من كذبها في نشر أفكارها بين جماهير المسلمين دون أن يقفوا ليفضحوا أكاذيبهم وليرجعوهم إلى مستنقعات الجمود الفكري التي أغرقوا عقولهم فيها.

في نظرنا فإن هذا الرد المبني على حقائق تاريخية يكفي لفضح كذب إدعاءات زغلول النجار وأتباعه. ولكن هناك زاوية أخرى لرؤية الموضوع ، فبعد أن تقدم العلم التجريبي الحديث ، وانتشر بين مختلف طبقات الناس  انتشارا كبيرا، فإنه من المعقول والمحتمل أن الفئات الإجتماعية المتمترسة خلف الإسلام ، والتي تملك قدرا من الوعي يكشف لها خطر فهم "آية" إنزال الحديد من خلال السياق التاريخي الذي أطّرناه أعلاه، قد لجأت إلى محاولة الخروج من هذا المأزق الذي يربط الإسلام بالإعتقادات الوثنية القديمة ، وذلك عن طريق تفسير "آية" إنزال الحديد تفسيرا يعتمد على نتائج نظريات واكتشافات العلم التجريبي الحديث. ومع أنه يمكن فهم شرعية هذا التوجه من منطلق حقهم في تفسير دينهم كما يحلو لهم، إلا أن هذا التوجه الجديد في التفسير يتجاهل أنه حسب نظريات العلم التجريبي الحديث، فإن كمية الحديد الهائلة التي تحويها الأرض كونت الغبار الفضائي الذي سمح لغازات المواد الأخرى بالتكثف حوله لتكوين الكواكب ، خصوصا ما يسمى بالكواكب الدخلية: عطارد، الزهرة ، الأرض ، والمريخ. أما الحديد النيزكي ، فلا يمثل إلا جزءا صغيرا جدا من مجموع حديد الأرض. وسنقوم بتوضيح هذه الحقائق من وجهة نظر فيزيائية ، وسنثتب في في بقية هذا المقال كذب إدعاءات الإعجازيين المسلمين باستعراض الأدبيات العلمية الفيزيائية عن مصدر الكمية الهائلة من الحديد على الأرض.

عودة لقائمة المحتويات

القسم التالي

القسم السابق


مراجع:

نشرت هذا القسم من المقال في مقالة سابقة منفصلة ، ونورده هنا مرة أخرى للحفاظ على الموضوع كوحدة شاملة.

عودة للأعلى

لا شك عندي أن عصرنا الحديث ، والذي بدأ في النصف الثاني من القرن العشرين سيعرف مستقبلا بعصر السليكون. أما بالنسبة لتقسيم العصور فهناك تغييرات على هذه الصورة التقليدية، فمثلا يشير "هارولد بيك"  في مقالته عن تاريخ تصنيع الحديد أن هناك مناطق شهدت عصرا نحاسيا بين العصر الحجري والعصر البرونزي ، بينما قفزت بعض المجتمعات إلى العصر الحديدي مباشرة كما حدث في المناطق الواقعة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، وهناك مناطق لم تخرج حتى الآن (كتب مقالته عام 1933) من العصر الحجري.

The Origin and Early Spread of Ironworking, Harold Peake, Geographical Review, Vol. 23, No. 4. (Oct., 1933), pp. 639-652.

عودة للأعلى

 The Use of Meteoric Iron, T. A. Rickard, The Journal of the Royal Anthropological Institute of Great Britain and Ireland, Vol. 71, No. 1/2., (1941), pp. 55-66.

 عودة للأعلى

راجع مقالة الويكيبيديا باللغة الإنكليزية تحت عنوان: History of ferrous metallurgy للإطلاع على مصادر أخرى.

عودة للأعلى

From Myth to Truth: Some Historical Aspects of Meteoritics, Ludolf Schultz, Max-Planck Institute Fur Chemi, Maiz, Germany, Meteorical Society, NASA Astrophysics Data System.

عودة للأعلى

The Encyclopedia of Tibetan Symbols and Motifs, Robert Beer, 2004, page 234.

عودة للأعلى

How Ancient Is Lore? Southeast Asia Speaks Up  Asian Folklore Studies, Volume 66, 2007: 213–221

عودة للأعلى

[ حديثه صلى الله عليه وسلم مع الأنصار في رمي الجن بالنجوم ]- سيرة إبن هشام

قال ابن إسحاق : عبد الله بن العباس ، عن نفر من الأنصار : أن رسول الله قال لهم ماذا كنتم تقولون في هذا النجم الذي يرمى به ؟ قالوا : يا نبي الله كنا نقول حين رأيناها يرمى بها : مات ملك ملك ملك ولد مولود مات مولود فقال رسول الله ليس ذلك كذلك ولكن الله تبارك وتعالى كان إذا قضى في خلقه أمرا سمعه حملة العرش فسبحوا ، فسبح من تحتهم فسبح لتسبيحهم من تحت ذلك فلا يزال التسبيح يهبط حتى ينتهي إلى السماء الدنيا ، فيسبحوا ثم يقول بعضهم لبعض مم سبحتم فيقولون سبح من فوقنا فسبحنا لتسبيحهم فيقولون ألا تسألون من فوقكم مم سبحوا ؟ فيقولون مثل ذلك حتى ينتهوا إلى حملة العرش فيقال لهم مم سبحتم ؟ فيقولون قضى الله في خلقه كذا وكذا ، للأمر الذي كان فيهبط به الخبر من سماء إلى سماء حتى ينتهي إلى السماء الدنيا ، فيتحدثوا به فتسترقه الشياطين بالسمع على توهم واختلاف ثم يأتوا به الكهان من أهل الأرض فيحدثوهم به فيخطئون ويصيبون فيتحدث به الكهان فيصيبون بعضا ويخطئون بعضا ثم إن الله عز وجل حجب الشياطين بهذه النجوم التي يقذفون بها ، فانقطعت الكهانة اليوم فلا كهانة .

عودة اللأعلى

"خرج عنتر مع الامير مالك لغزوة وفيما هم في الطريق ابصر عنتر فارسين يتبارزان ... فتقدم نحوهما وسألهما عن سبب الخصومة , فتقدم اليه احدهما وقال له : اجرني من اخي ... فقال له عنترة اصدقني الخبر ولا تخف , فقال له نحن اخوان من اب وام وكان والدي اميرا من الامراء حوى فيما حواه سيفا قاطعا صاغه جدي من حجر سقط من السماء ووضعه في خزانته ولما مات ورثه أبي , فلما حضرته الوفاة ارسل خلفي , وقال لي اخشى عليك من بعد موتي , ان يخص نفسه بالاموال والسيف دونك وفتقت لي حيلة تخفي هدا السيف عنه ومات الاب واستولى الاخ الاكبر على كل الاموال وفتقد السيف فلم يجده فسألني عنه فأنكرته واراد ان يقتلني فاخبرته عن خبره لتسليمه السيف ولكن تاه عني مكانه فشك في امري وجرد حسامه علي فدافعت عن نفسي حتي اقبلت علينا وأنا فوضت امري اليك فاحكم بيننا ... فلما سمع عنتر كلام الشاب قال له : انت مظلوم والتفت الى اخيه الاكبر وقال له : لم تظلم اخاك وهو ابن امك وبيك , فقال له الاخ الاكبر : أنت ماشأنك بيننا يا ابن اللئام ... وحمل الشاب عليه بسيفه , فظهر الغضب على وجه عنتر وتأكد من حديث الاخ الاصغر , وانه مظلوم حقا , فقرر معاقبته , وعاجله برمحه فأرداه قتيلا لساعته , والتفت الى الاخ الاصغر وقال : عد الى ارضك وخد مكانك محل اخيك , وانت في دمامي , فمن عاداك فقد عاداني ... فشكره الفتى وقبل يديه وانصرف في شانه .... ووقف عنتر بعد دهاب الغلام ينظر في الارض ويفكر بشان السيف ثم نزل عن جواده وأخد ينكث الارض برمحه ولامر اراده الله ظهر له هدا السيف فسله فادا هو حسام ماضي الشفرتين ففرح به عنتر وعاد الى اصحابه يحدثهم بما جرى معه فلما سمعوا تعجبوا من قصة الغلامين وسيف" (سيرة عنترة بن شداد).

أما النص التالي فقد نقلته من كتاب: سيرة فارس فرسان الحجاز إبي الفوارس عنترة بن شداد، الجزء الأول ، صفحة 170، المكتبة العلمية الحديثة ، غير مؤرخة.

قال، ولما يزيده الله من سعادة عنتر أنه عدل عن الطريق وقصد إلى واد عميق، فنظر إلى فارسين يتقاتلان ، وقد سطا أحدهما على الآخر، فعرج عنتر عليهما حتى قرب منهما، ونظر إليهما وصاح فيهما على مهلكما يا وجوه العرب، وأخبراني هل لقتالكما سبب! فلما سمع الفارسان كلام عنتر ، افترقا عن القتال، وسار أحدهما إليه، وقال لعنتر أنا مستجير بك ، فإجرني يا همام ، فقال له أطلعني أيها الغلام على جلية حالك وأصدقني في مقالك. فقال له ذلك الفارس: إعلم يا أخا العرب إني أنا وهذا الفارس أخوان من أم وأب، وكنا روحين في جسد ولا كان بيننا غم وال نكد، وإن أخي هذا هو الكبير وأنا دونه. وكان أبونا أمير كبير يقال له الحارث بن تبع سيد بني حمير، وكان جدنا الأ:بر تبع حسان ملك العصر والأوان سيدا على كل من نهى وأمر ، وكان في بعض الأيام عرض أمواله عليه ، وتأمل فيما حوته كلتا يديه من نوقه وجماله، وكان له ناقة مليحة الصفات ، زائدة الحسن ، سريعة الحركات ، وكان مولعا بها من دون الجمال. ولما عرضوا عليه الجمال ، لم يراها مع الأموال ، فسأل عنها الرعيان، فقال له بعض العبيد: يا مولاي، أنا أخبرك بما كان منها. وذلك أنها شردت يوما من المراعي ، فسرت خلفها في الطلب إلى أن بعدت في البر ، وقد تعبت ومللت ، فانحنيت إلى الأرض وأخذت حجرا أسود على صفة الصوان ، وهو شديد اللمعان ، ورميت به الناقة ، فجاء في جنبها ، فخرق بطنها وخرج من الجانب الآخر، فوقعت الناقة على الأرض وقد تبددت أمعائها طولا وعرض، وماتت وبقي في جنبها خرق هائل المنظر ، والحجر بجانبها ملطخ بالدم فقال جدي للراعي: سر قدامي وأرني الناقة والحجر. فأخذه الراعي وسار حتى أراه إياه ميتة والحجر بجانبها. فأخذ جدي الحجر وتميزه ، فعرف أنه صاعقة ، فأخذه وعاد وأحضر أهل الصناعة الجياد وأمرهم أن يصنعوا له ذلك الحجر سيفا قاطعا ، فأخذه بعضهم وصنعه صنعة محكمة وأتى به جدي ، فلما رآه عجبه فخلع عليه ، فعند ذلك وصف الحداد السيف وقال:

سيف حديد ماله من يغالبه    مليح ولكن أين للسيف ضاربه

قال: فلما سمع جدي ما قال له الحداد، أخذ السيف وضربه به ، فأطاح رأسه عن بدنه وقال له: أنا ضارب وأي ضارب. ثم إن جدي ترك السيف في خزانته وسماه الظامي ، وما زال عنده إلى أن شرب كاس الإنتقال، ثم ورثه بعده أبي ولم يزل عنده إلى أن أحس بوفاته.

عودة للأعلى

The Day the Sands Caught Fire, Jeffrey C. Wynn and Eugene M. Shoemaker, Scientific American November 1998

عودة للأعلى

The human factor in gathering meteorite falls Martin Beech, Meteorite Magazine, Vol. 8, 2002

عودة للأعلى

راجع المقالة التفصيلية بعنوان : سر الأنصال الدمشقية والمنشورة في مجلة سينتفك أمريكان:

The Mystery of Damascus Blades by John D. Verhoeven, Scientific American January 2001

 عودة للأعلى

من الطريف أن نذكر هنا أن أحداث النيازك تظل محفورة لقرون طويلة في ذاكرة الشعوب التي تراها وذلك لهول هذه الظاهرة السماوية في نظر ملاحظيها في العالم القديم وربطها بالآلهة. بالمقارنة بسقوط النيازك، كانت ظاهرة أنشقاق القمر المزعومة نصا في القرآن (أقتربت الساعة وانشق القمر) ستفوقها من ناحية سطوعها والمساحة الهائلة التي سترى منها، بملايين المرات وذلك لأهمية القمر في حياة الشعوب في ذلك الزمن. ولكن بالطبع لا يوجد هناك أي دليل تاريخي يشير إلى أن أي شعب شاهد هذه الظاهرة التي يدعي المسلمون أن أهل مكة شاهدوها. وقد علقنا في مقال قصير على "معجزة إنشقاق القمر" في مقالة سابقة تجدها على هذا الموقع.

عودة للأعلى

ليست هناك تعليقات:

Links

    لا يعني إدراج الروابط التالية أن أبو لهب يوافق على كل ما يرد فيها وعلى وجه التخصيص , فنحن نرفض وندين أي مقالات معادية للقضية الفلسطينية أو القضية العربية