الأحد، يونيو 03، 2007

سورة النحل: الإعجاز المفقود أم الإعجاز الموجود ؟


-->
سورة النحل: الإعجاز المفقود أم الإعجاز الموجود

كنت قد ظننت أنني اكتشفت خطأ علميا في سورة النحل ، يتمثل في سكوت هذه السورة المريب والغريب عن ذكر الدور الحاسم الذي يلعبه النحل في تلقيح النباتات. ومع أنه من الواضح أن كاتب القرآن لم يكن يعلم بهذه الحقيقة ، فقد قررت من مبدأ أنه من المستحيل اكتشاف فكرة جديدة في أي علم ، أن أراجع ما كتب عن الإعجاز العلمي في سورة النحل. وبعد الإطلاع على خبل الإعجازيين المعاصرين، قررت أن استعمل الرابط الذي منحني إياه أخي جبريل للبحث في أراشيف اللوح المحفوظ. وبعد البحث المضني  في مفازاته المعلوماتية، وجدت ما يلي عن الإعجاز العلمي في سورة النحل ، أنقله هنا "بأمانة" كما وجدته على الرابط التالي:


بعد سبات طويل ، حتى بمقاييس الآلهة ، أستقيظت سدرة المنتهى ! وبعد أن تمطت بأوراقها وأغصانها ونأت بثمارها وأردفت بأزهارها في خشخشة ناعسة ، نادت جبريل بصوت كسول حمل نبرة من الشعور بالذنب: جبريل ....، جبريل  ...، أين أنت يا جبريل؟!

كان جبريل في تلك الأثناء مسندا ظهره إلى سفح كثيب الوفود المقابل لسدرة المنتهى ، فانتفض من سهوته بذعر عند سماعه للنداء الإلهي ، وبعد أن صفق الهواء بشدة بأجنحته الست مائة ، لينظفها من حصى الدر والياقوت الذي علق بها ، لوح بذيله بإعجاب وقال بخشوع: أمرك يا إلهتي !

سدرة المنتهى بصوت من بعث من نوم بعيد عميق: أبشر يا جبريل ! لقد تفتقت قريحتنا الإلهية أثناء تأملنا العميق عن أفكار علمية جديدة غاية في الإعجاز ، بعد تحريرها في سورة جديدة ، سآمرك أن تنزلها لمحمد علها تساعده في إفحام النضر بن الحارث، وحتى تكون في المستقبل نبراسا يضئ طريق علوم الطبيعة للمؤمنين المبدعين.

بالرغم من شكه الدائم في قدرة سدرة المنتهى على قراءة أفكاره ، وجد جبريل نفسه يقول في سريرته:   يبدو أن الشخير المفزع لا يعيق تأملها العميق ، ثم أنه إنتبه لحقيقة مقامه بسرعة فأجابها بصوت مرتفع حاول جهده أن يجعله خاشعا: هذا ليس بكثير على عظمتك ... سبحانك!

قالت سدرة المنتهى بكسل ولطافة فاجئت جبريل: إذهب ، إن سمحت ، واحضر لي عدة الكتابة : النظارة ، والقلم ، والقرطاس

في الحال ، انتفضت أجنحة جبريل الست مائة في إعصار من الألوان البهية ، فاهتزت طبقات الحصى من اللؤلؤ والياقوت والمرجان المغطية لأرض جنة المؤى بخشخشة حالمة ، واهتزت منها أغصان السدرة بحفيف موسيقي رقيق. عندما طار بمتانة قواه المعروفة ، تبعته في الجو جواهر الياقوت والماس ، ولحقت به حشود من اللؤلؤ والمرجان ، ولكنه صفعها بذنبه الطاووسي الرشيق وهو يتبسم لها برقة امتزجت بالخيلاء، فسقطت آيبة نحو الساحة والضوء يتكسر من خللها بخيبة أمل خجولة !

بعد ساعة أو نحو من ذلك ، عاد جبريل من خزائن سوبر ماركت "مَا يَسْطُرُونَ" الواقعة في الطابق السابع من البيت المعمور ، يحمل النظارة الإلهية ، والقلم العظيم الذي لم ينسى أن يغمس ريشته في بحر المداد  المترامي في اتجاه النار مما يلي الجهة الغربية للبيت المعمور. وحمل معه أيضا لفة عظيمة من القرطاس الجلدي ، ذو اللون الزهري ، والمحلى برسومات لأزهى زهور الجنة ، ومسطرة لا نهائية الطول مدرجة بالمقياس المتري الفرنسي والقدمي الإنكليزي، ومحاية هائلة ، وآلاف مؤلفة من أطنان المكسرات من فستق وبندق ولوز وجوز وما شابه، وجفنة عظيمة من القهوة العربية ، حلاها بسبعين ألف سطل عسل جناها من خلايا أمة النحل التي تعني بزهور الجنة السادسة ، وخلطها بسبعين ألف برميل من حليب أمة البقر المحشورة في زرائبها البديعة في الجنة السفلى.

قالت السدرة بنهم عندما رأته راجعا ، وقد رصدت بقدراتها الحسية اللانهائية أنه أحضر المسليات والقهوة مع أدوات الكتابة ، وكأنها تراها للمرة الأولى:  أحسنت يا جبريل ، لم يكن هناك بحاجة لهذه المكسرات وهذه القهوة ، فإني كما تعلم غني عن كل هذا ، ولكن بما أنك جهدت في إحضارها فإن إلتهامها لا يتعارض مع قدراتي ومحاسن أسمائي وجميل صفاتي. أفرش المكسرات حول جذعي واسقني القهوة إن سمحت.

قال جبريل وهو يفرش المكسرات في مساحة دائرية مركزها جذع الشجرة: سبحانك أنا في شوق لسماع ملخص السورة الجديدة.

سدرة المنتهى بصوت النهم : إذن أسرع يا جبريل

بعد أن إنتهى من فرش المكسرات، طار بجفنة القهوة عاليا فوق سدرة المنتهى وسكبها من الأعلى عليها وهو يحوم حول أطرافها الشاسعة ، فنزلت قطراتها الشقراء لتغمر جميع أوراق الشجرة وأغصانها وأزهارها وثمارها برذاذ منعش من قطرات القهوة المعطرة بأفخر حبوب الهال التي جناها طازجة من الجنة الثالثة.

أدت القهوة والمكسرات فعلها بسرعة ، فانتصبت الأغصان بعنفوان، وعبلت الثمار وتشطبت، ونضرت الأوراق والتأمت شقوقها، واكتست الأزهار حلة مثيرة من أجمل الألوان الفاقعة ، وانتشرت عدوى حيوية السدرة  بفتوة ندية لتشمل عموم جنة المأوى.

نشرت سدرة المنتهى عندها صحيفة عملاقة من الجلد الزهري في الهواء للبدء في الكتابة، فبدت لحرس الشجرة الشديد من الغربان الحائمة على بعد شاسع، وكأنها شراع سفينة عظيمة في وسط المحيط ، وجاء أميرها طائرا بهمة وعنفوان ليعاين ما يحدث عن كثب، وبعد أن اطمئن نعق أوامره بشدة بصوته المنكر ومضى ليقود سربه في دورياتهم الأبدية حول السدرة المقدسة.

بعد أن تلاشى نعيق أمير الحرس الطائر امتد غصن ضخم من السدرة والتف على القلم العظيم بقوة وحمله استعدادا للكتابة. وما لبث أن خرج من السدرة صوت قلق متردد يخاطب جبريل: أحببت أن أمتحنك في مواضيع العلوم الطبيعية التي سأمن بكشفها على بني آدم في هذه السورة ، وقبل أن أفعل ذلك ، أذكرك أن واجبك الملائكي في أسداء صادق نصحك ونقدك واجب حتمي ومقدر نقشناه في اللوح المحوظ منذ خلقنا آدم

انتشر في قلب جبريل رعب هائل من هذه الكلمات ، وتذكر ملابسات ذلك الحدث الجلل والذي أدى إلى نفي أباه أبليس ، والاهوال التي عاناها سيد الملائكة الأسمى بسبب إسداء صادق نصحه في ذلك الزمن السحيق. فاصطكت ركبتاه وتهدلت أجنحته ، فكر في أعماق سريرته أن يهرب ، ولكن هيهات ، أين المفر من هذه القوة البطاشة وهذا الجبروت الطاغي وهذا المكر العميق ؟ خانته عندها سيقانه فسقط على وجهه وهو يرجف ويقول: لقد خلقت لطاعة جبروتك يا إلهتي.

بدأ الغصن حامل القلم يكتب على شراع الجلد المنتصب بخط كوفي غاية في الجمال، فأسرع جبريل وجلس قبالتها على ارضية الساحة فارشا أجنحته الست مائة من خلفه كأريكة تسند ظهره، وطوى ذيله من تحته وأخرجه من بين فخذيه فانتشر ريشه كمروحة يابانية يستر بها مكان عورته المبتورة ، ثم أنه أخرج من تحت جناحه التاسع عشر حاسوبا نقالا ، فأشعله ، ونقر رابط آلة بحث اللوح المحفوظ بسرعة العارف الخبير. وبدأت السدرة تشرح لجبريل ما ستنزل في سورة النحل قالت : سأعرض عليك موضوع السورة بنقاط ، وآمرك أن تسجل إعجابك ... أعني انتقاداتك لكل نقطة.

جبريل: أمرك يا إلهتي ... سبحانك !

سدرة المنتهى: في النقطة الأولى سأعرض على بني آدم ما أنعمت عليهم من نعمة الأنعام من بقر وغنم ومعز وجمال ، والفوائد الإضافية من الحيوانات الأخرى من بغال وحمير وخيل كما في الآيات التالية . وأخذ الغصن يكتب ، وجبريل يتابع وينتقل من خلال حاسوبه النقال في متاهات معلومات اللوح المحفوظ مسجلا نقده وملاحظاته بهمة ونشاط:

وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ {النحل/5} وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ {النحل/6} وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {النحل/7} وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {النحل/8} وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ {النحل/66} وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ {النحل/80}

بعد أن انتهت السدرة من الكتابة ، قالت لجبريل بصوت المتحمس المترقب: ما رأيك بهذه الآيات البينات يا جبريل؟ ألا ترى أنها ستكون هدى للعالمين؟

في غمرة حماسه لواجبه في تقديم النقد البناء ، غفل جبريل عن أصول التكلم مع سدرة المنتهى والتي من أهمها البدء بالمدح والثناء ، فبدأ يقرأ من شاشة حاسوبه  بحماس واندفاع الطالب النجيب: الحقيقة أنه عندي بعض الملاحظات والنقد لهذه الآيات أرجو أن تسمح لي جلالتكم بإيرادها في النقاط التالية:

أولا: وهذه النقطة بلاغية، الدفء والمنافع الأخرى من جلود وأشعار للإستعمال في بناء البيوت والمتاع لا تأتي فقط من الأنعام كالتيوس والثيران والأكباش والشياه كما يشير نص الآية رقم خمسة، ولكنها أيضا تأتي من الحيوانات الأخرى كالحمير والبغال والخيول. وبالمقابل فإن الآية رقم ثمانية تقصر منافع الخيل والبغال والحمير على الركوب والزينة وهذا مخالف لواقع الحال.

ثانيا: حمل الأثقال إلى البلاد البعيدة لا يتم على ظهور الأنعام عموما كما يفهم ضمنا من الآية سبعة ، فجلالتكم لم تخلق البقر أو الغنم لحمل الإثقال ، ولكن الجمال من الإنعام تتخصص بهذا العمل، كما أنه من الشائع أيضا استخدام البغال والحمير الخيل لحمل الأثقال ، وكما تعلم جلالتكم فقد كانت الحمير هي أداة النقل الأساسية قبل تهجين الجمال. ثم أن قصر حمل الأثقال على الأنعام قد يؤدي إلى ابتداع قوانين شرعية تفرض النقل على الجمال دون الحمير والبغال ، وسيكون هذا كارثة لإقتصاد النقل في المناطق الباردة والجبلية الوعرة والتي لا تتمكن الجمال حتى من العيش فيها.

ثالثا: العرب حاليا هم الشعب الرئيسي الذي يستخدم الجمال لنقل الأثقال عبر المسافات البعيدة ، أما الشعوب الأخرى فإنها تستخدم وسائل تختلف اختلافا كبيرا. فمثلا يستخدم الأسكيموا الكلاب لسحب زحافاتهم على الجليد، ويستخدم الهنود الفيلة ، ويستخدم الروم العربة ذات العجل المدور بشكل أساسي للنقل، أما الشعوب المغامرة في البحر فتستخدم السفن والقوارب. ولهذا فإن تخصيص الجمال للنقل إلى الأماكن البعيدة ، سيتفح الكثير من أبواب الهزء والسخرية بآيات سبحانتكم من قبل الكفار والملاحدة الملاعين.

رابعا: لا أرى أي جمال أو زينة في الأنعام ، وحسب مزاجي الشخصي فإن الجمال بشواظيمها الكبيرة ووجهها الغبي في غاية البشاعة، كما أن رائحة تيوس الغنم وأكباش الماعز تنفر المرء منها مهما كان لها من جمال ، وفي النهاية الجمال شئ نسبي . والذي أريد أن أقوله هنا هو أن هذه الآية زائدة ، وقد تفتح على نبيك محمد أبوابا لا تنتهي من الهزء والسخرية من قبل أبي جهل والنضر بن الحارث وإبن أبي معيط.

خامسا: وهذه نقطة بلاغية أخرى، لا أرى الهدف من عبارة "ويخلق مالا تعلمون" في هذا السياق الإخباري عن النعم التي أسديت بها على البشرية ، فما لا يعلمونه لن يهمهم وهو ليس من الموضوع في شئ.

سادسا: من الأفضل أن تبقى هذه الآيات أو معانيها في وحدة واحدة ، بدلا من فصلها وشرذمة معانيها كما تدل الأرقام التي رقميتها بها.

سابعا: الحليب أو اللبن كما تعلم عظمتكم لا يصنع في بطون الأنعام ، فاللبن يفرز من الدم في خلايا الضرع أو الأثداء بعد أن يحمل الدم المواد المكونة له هناك من مصران البقرة الدقيق. وتشير سجلات اللوح المحفوظ أن نص هذه الآية قد خدع المفسرين الأولين للقرآن كما أن كل الشعوب الممارسة حاليا لمهنة الرعي تعلم أن الحليب يتكون في الضرع وليس في البطن.

ثامنا: ذبح الأنعام وأكل لحومها يتعارض مع عدالتكم ورحمتكم ولهذا أرى أن من الأفضل أن يكون هذا العمل خيارا للإنسان دون أن تعلق عليه جلالتكم بالإيجاب أو .......

لم يتمكن جبريل من أكمال كلماته ، فقد تجمد في مكانه عندما لاحظ بطرف عينه اليسرى أن سدرة المنتهى قد فتلت أغصان أجمة شاسعة لتكون منها ذراعا هائلا على طرفة قبضة مفزعة ، وقبل أن تطرف عينه عاجلته بلكمة جبارة في أسفل فكه.

قذفت اللكمة الإلهية جبريل ، كل جبريل ، بأجنحته الست مائة ، وذيله الطاووسي ، وشحمه ولحمه ومتانة قواه ، بسرعة تفوق سرعة الضوء ، موجهة إياه بدقة نحو البيت المعمور ، وقبل أن تدق أجهزة الإنذار ، وقبل أن تقوم الحواسب السريعة بنسخ آخر معلوماتها، ارتطم جبريل-القذيفة بالواجهة الزجاجية للبيت المعمور، فحطم جسده العضلي الشاسع آلافا مؤلفة من الحواسب في قسم العلوم الطبيعية ، ماحيا كميات هائلة من العلوم إلى ما دون رجعة.

وبعد أن هدأ صوت تحط الزجاج المتساقط ، وأنين محركات الhard drives، لملم جبريل أطراف جسده المكسر بجهد كبير، وطار مقاوما آلام الجروح قافلا نحو جنة المأوى ، يدفعه قضاء الله ، ويحفزحه علمه بعواقب تأخره في آداء الطاعات المتثلة في هذه اللحظة بشهادة خلق سورة النحل.

ما أن وصل جبريل حتى قالت سدرة المنتهى : آه لقد عدت يا جبريل ! ..... أرجو أن تكون قد تعلمت درسا في عدم الهزء والسخرية بآياتي المعجزات. والآن بعد أن اتفقنا على الجزء العلمي المعجز عن الأنعام والحمير والبغال ، سأعرض  عليك الآيات المتعلقة بعلوم المناخ والجو والفلك. تدبر هذه الآيات وقل لي فيها رأيك الصادق عن الإعجاز العلمي واللغوي المذهل اللذان أدرجتهما فيها:

هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ {النحل/10} يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {النحل/11} وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {النحل/12} وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ {النحل/13}  وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ {النحل/16} وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ {النحل/65} وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {النحل/67}

بنفسي عليك ، أليست هذه قمة الإعجاز؟

فكر جبريل الممزق بسرعة ، ومد يده بطريقة آلية تبحث عن حاسوبه ناسيا للحظة أنه تحطم سبع وسبعون ألف قطعة . عاد بيده المكسرة بحسرة وأوشك أن يقول أن أي جاهل في الأرض يعلم أن المطر ينزل من الغيوم ، وأن أي بدوي مهما اشتد جهله يعلم أنه يلعب دورا أساسيا في نمو النباتات ، ولكنه قال لنفسه ، لا بأس ، لا يوجد هنا خطأ فاحش ، إلا تناقض كلمات "رزقا حسنا" مع صنع الخمر من الأعناب والتمر، ولكن بما أنني أعلم أنها ستنسخ تحليل تناول الخمر في الأعوام القادمة ، فلا أعتقد أني سأكذب إن سكت ، أما التكرار في الحديث عن إنزال الماء وتلك الآية عن "ذرأ مختلف الألوان لعلهم يتفكرون" ، فهي حشو السدرة الثرثري العادي وهو على وجه العموم عديم المعنى وغير مضر. فكر في أن يعترض على أن الإهتداء بالنجم شئ مؤقت خارج عن الديمومة الإلهية لأن النجوم تتحرك باستمرار، ولكنه ثنى نفسه عن هذا الإعتراض أيضا ، مقنعا نفسه أن زمن تغير مواقع النجوم زمن طويل جدا إذا ما قورن بحياة الإنسان على الأرض. وقال بخبث عند وصول حبل أفكاره لهذه النقطة: سبحانك ، لم أرى شيئا معجزا مثل هذه الآيات منذ خلقت.

انتشت سدرة المنتهى وقالت من خلال تراقص أوراقها بحفيف حنون رحيم: هكذا ، هكذا يكون النقد والنقاش يا جبريل. الآن سأتلوا عليك الآيات المعجزات التاليات ، وسيكون موضوعها إعجوبة للمسلمين والعالمين إلى يوم القيامة:

أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ {النحل/48} وأن الظلال تخبو كل في جسمه عند وصول الشمس كبد السماء أفلا يعقلون {النحل/49} وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ {النحل/81}

تبسم جبريل في سريرته ، لأن هذا الكلام عن الظل يتطابق مع فهم بدو العربية البسطاء له والذين لا يفهموا أن الظل ليس إلا ظاهرة حجز الأجسام للضوء ، ثم ما هذا الكلام عن تفيئ الظل من اليمين والشمال؟ وهو يمكن أن يقع في أي اتجاه . قال في نفسه ساخرا ، وما هذا الحديث أن الظل يختبئ في جوف صاحبه عند منتصف النهار خوفا من شدة حرارة الشمس! أوشك أن يعترض على هاتين الآيتين ولكن قبل أن تبرح الكلمات لسانه ، تذكر الفلقة الهائلة والضرب المبرح الذي أذاقته إياه السدرة عندما اعترض على الآية: لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ {يس/40}  . قال يومها لسدرة المنتهى عندما أمرته أن يعلق على الآية أن الليل والنهار لا يسبحان في أي فلك وأنهما ليسا إلا نتيجة لدوران الأرض حول محورها وأضاءة الشمس للنصف المقابل لها وغياب الإضاءة عن النصف الآخر. لم تلق هذه المعلومات البديهية للسدرة يومها فنشرت فوتونات جسمه في سبع وسبعين مجرة لمدة سبعة سنين. قرر عندها التزام الصمت تجاه هذه الآية، وقبل أن يسمح لفكره أن يتأمل في موضوع السرابيل ، لاحظ أن صبر السدرة قد بدأ في النفاذ، وأن الغص الملاكم قد بدأ في التوتر في أجمته لتوجيه ضربة قاسمة ، ردد في نفسه المثل الملائكي المعروف : الهريبة ثلثين الملوكية ، وبادر السدرة بسرعة قائلا: غفرانك يا إلهتي ولكن الإعجاز العجيب في هذه الأيات وما أبدعت فيها من حكمة كونية ألجمني وأخرس لساني. ارتخى عندها توتر الغصن الملاكم، وأجابت السدرة بصوت مليئ بالشك بصدق جبريل: أحسنت المقال عزيزي جبريل ، أما الآن فسأنتقل لتلاوة آيات صميم السورة وهي عجائب صنع النحل للعسل:

وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ {النحل/68} ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {النحل/69}

كان بعض من العنفوان قد عاد لجسد جبريل المحطم ، وأجنحته الممزقة ، ولأنه كان قد زار بيوت النحل لتحلية القهوة الربانية قبل البدء في نقاش السورة ، وعاين هناك بنفسه كيف تصنع النحل العسل ، قبل أن تصبه في نهر عسل الجنة ، فقد افترض منطقيا أن السدرة تمتحن صدقه باستعمال هذه المغالطات الفظيعة والمخالفة لأبسط علوم جنس النحل، فإيقن أنه إن هو لم يضحك على هذه الدعابة الإلهية فإنها اللكمات لا محالة. قال متصنعا الضحك بصوت عال وهو ينفش أجنحته بجلبة متزامنة مع قهقهته:  سبحان مكرك يا إلهتي ! لا أشك للحظة أنك تمتحنين صدقي وعلمي ! أتسمين سبحانك هذه الخربشات آيات؟ أولا لقد خلقت مشيئتكن أكثر من عشرين ألف صنف من النحل ، وهي تعيش في كل مكان اتفق لها ودون أن تكلفيني لأوحي لها أين تسكن.

سدرة المنتهى بصوت ريح السموم : استمر يا جبريل

أخذ جبريل يشهق عندها متظاهرا أن ضحكه أوقفه عن الإستمرار في الكلام ، ثم ضرب ساقه بيده وهو يقهقه وصفق بأجنحته وفرش ذيله الطاوسي وقال: وأعلم أيضا أن النحل لا تأكل الثمار ، وإنما تأكل الرحيق واللقاح من الأزهار، وأنها تأكل العسل المخزون في بيوتها بعد أن تنتهي دورة حياة الزهور. وأعلم أيضا أن العسل لا يخرج من بطونها ، وإنما تصنعه في بيوتها . كما أن جميع الشعوب تعرفت منذ آلاف السنين على فوائد العسل في شفاء الجروح وبعض الأمراض.

سدرة المنتهى بخبث شديد: إذن ما الذي تقترحه يا جبريل؟

وقع جبريل في الفخ فقال بحماس: كلانا نعرف أنك ستنسخي هذه الآيات وستسبدليها بآيات تتحدث عن الاعجاز الحقيقي  المتعلق بدور النحل في تلقيح النباتات.

سدرة المنتهى: النحل يُـنْـكِحْ النباتات يا جريل؟!

جبريل يضحك حتى يقع على ظهره قائلا من بين الشخرات: بالفعل ! تشبيه مضحك يا إلهتي

سدرة المنتهى بغضب شديد وبصوت يدل على مهانة شديدة: إذن تقترح أن ألغي الآيات السابقات؟

جبريل: نعم سبحانك

سدرة المنتهى بغضب فوار هادر أنساها بلاغتها: يا جبريل! أنا كلمتي ما تنزلش الأرض أبدا !

توقف جبريل فجأة عن الضحك، وبسرعه غشاه الإدراك أن سدرة المنتهى لم تكن تمازحه . فسكت فاغرا فاه وريش أجنحته يرتعش  كعشب حقل شاسع في مهب الريح.

قالت سدرة المنتهى وأغصانها ترتعش بصوت كهزيم الرعد: هكذا إذن ! ؟ آياتي المحكمات نكتة ؟ هكذا ياجبريل ! تضحك علي في حماي؟ تكذب علي في قدس أقداسي؟

لم يجب جبريل ووقف قبالتها وقد غشته المشيئة الإلهية فأعجزته عن أي حركة. وببطئ ، وبغضب شديد ، التفت آلاف الآغصان لتشكل ساقا آدميا ممشوق العضلات ينتهي بقدم صلب كالحديد أو أشد بأسا، ثم توتر هذا الساق المفتول بطقطقة جبروتية لئيمة، وفحت الأوراق بصوت سبعين مليون أفعى، وتجعدت الثمار حتى عادت كالعرجون القديم، وعبست الأزهار وتجهمت، وبحركة فنية معجزة ، أدار قضاء سدرة المنتهى جبريل حول نفسه ليحاول الهروب ، وعندما واجهها ظهره ، رفسته بضربة كاراتيه هائلة غرستها بين أكتفافه في منتصف أصل أجنحته الست مائة.

قذف جبريل إلى ألاعلى وهو يصرخ بصوت سمع من أقاصي الجنات السبع إلى المجرات العصية البعد، وإتخذ طيرانه مسارا لولبيا عشوائيا، وما هي إلا ثوان ، حتى انسابت شظايا حطام أجنحته في عموم سماوات الجنات السبع هاطلة بهدوء وبطئ كثلج ذهبي، فحجبت الشموس السبع للجنات السبع واسودت سماواتها ، ولم يرى ساكنيها المحدقين بعيونهم المندهشة إلى الأعلى إلا غمامة من الضوء الأحمر القاني النازف من أطراف فتات الريش الذهبي ، فتراكضوا نحو الريش الساقط رافعين أيديهم ، رجالا ونساء وحور عين وأولاد مخلدون ، وتدافعت خلفهم أمم المخلوقات الاخرى ، من أمة الحمير ، إلى أمة البغال ، تليها أمة الأسود والدناصير إلى آخر أمم المخلوقات من ملايين الكواكب والمجرات، كلهم يحاولون أن يحوز ولو بنتاف قليل من بركة ريش أجنحة جبريل النازفة ضوئا أحمر قانيا مقدسا. وتفاقم الوضع ، فتدافعت أمم أهل الجنة، ثم تدافع أفراد الأمم مع بعض ، ثم نشب العراك بين سكان الجنات السبع في لهفهم للحصول على الريش المقدس، فتلاكموا وتراكلوا أولا ، ثم أستخرجوا آلات الحرب، تذكرت الأسود مخالبها، والدناصير أنيابها، والبشر نصالهم، والبغال حوافرهم ، وبدؤا خدشا وعضا وطعنا وذبحا ورفسا ببعض. وبعد ساعات ، انكشف القتام عن جنات تغطي أراضيها الخضراء الرحيبة، أعداد كبيرة من الأشلاء والجرحى المضرجين بالدماء الحمراء، تصبغ بياض ملالاتهم الأستبرقية والسندسية البيضاء بتناسق أخاذ. أما جماهير الفائزين بالريش المقدس، فقد دسوه تحت ملالالتهم ليخفوا البركة الحية عن عيون الطامعين والمحرومين، ولكن الضوء الاحمر القاني الذي كان ما يزال يترقرق من أطراف حطام الريش ، نفذ من خلل أنسجة الإستبرق الشفافة ، وضرج قمصان السندس البيضاء بألوان حمراء هاجت منها العقول.

ارتطم جسد جبريل بالجنة الدنيا في جهة نائية عند نقطة مصب النيل العظيم ونهر الحليب في بحر الثريد ، فرفع رأسه بوجع، وتأوه بحسرة وهو ينظر إلى الأعلى نحو جنة المأوى ثم أغمي عليه.

مع مرور بعض من الزمن، فعلت مياه النيل العجيبة ، وأمواج اللبن المتخثر ، والثريد المتوفر ،  فعلها المنعش في جسد جبريل ، فأفاق من غيبوبته وبه بعض من انتعاش. في الحال تفقد أجنحته، فوجد أنه لم يتبقى منها إلا تسعة عشر جناح جلها أقل من نصف صالح للعمل، ريشها منتوف، وعضلها مبتور ، وعظمها مكسور.  ثم تفقد ذيله، فلم يجد فيه إلا سبعة ريشات من أصل سبعة آلاف، كلها ملتوية مكسرة. وبالرغم من هذا النقص في العدد ورداءة النوعية، وبالرغم من أن جسده النوراني فقد معظم الفوتونات الحمراء القانية، إلا أنه نهض بقوة القضاء والقدر ، وقفز في الجو بكل ما تبقى فيه من طاقة ، فطار بتثاقل شديد ، وعزم أكيد نحو جنة المأوى.

هبط جبريل بصعوبة عند سدرة المنتهى من الناحية المعاكسة لكثيب الوفود خوفا أن يصطدم به في هبوطه الصعب. وبعد أن تدحرج فوق أرضية الجنة عددا لا يحصى من سبعينات المرات، نهض وأطنان حصى الدر والياقوت تتساقط من جسده ومشى بذيله الممعوط يترنح نحو سدرة المنتهى وبعد أن كان قاب قوسين أو أدنى منها سقط على وجهه منهارا وقال بصوت ضعيف لا يكاد يسمع: أين وصلنا في عرض السورة يا إلهتي؟

قالت سدرة المنتهى دون أن تعلق على منظر جسد جبريل المحطم حتى الموت لولا انعدامه من الجنات السبع: لقد تأخرت يا جبريل، كدت أن أغرق في جولة تأمل جديدة.

قال جبريل بخفوت: عفوا وغفرانا يا سبحانك

قالت سدرة المنتهى: أما الآن فما رأيك بهذه الآية المعجزة:

أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {النحل/79}

حشرج جبريل بخفوت شديد ولكن بتحد وإباء: يا إلهتي، ما هذه المغالطات؟ الطير تطير في الجو اتباعا للقوانين الفيزيائية المحفورة في صفحات اللوح المحفوظ ، وأنت لا تمسيكها وليس لك شأن بطيرانها. ثم ما الذي تعنين أن الطير مسخرات في جو السماء ؟ أليس التسخير يعني أن تكون في متناول الإنسان تمشي على الأرض حتى يتمكن من الإمساك بها؟ ثم لماذا ربط الطيران بالقدرة الإلهية ؟ أنا أعلم من تصفحي للوح المحفوظ أن المسلمين سيعانون مستقبلا من تخلف كبير في علوم الطيران سيؤدي إلى استعبادهم من الأمم الأخرى ، ألا ترين أن مثل هذه الآية ستردعهم عن الحلم بالطيران ثم اختراعه كما سيحدث مع الشعوب الأخرى؟

انطلق عندها من سدرة المنتهى غصن تشكل كهرواة بحجم جبل أحد، وانهال بضربات قاسمة على ما تبقى من جسد جبريل ، فأخذ يغوص في أرض جنة المأوى سبعين ذراعا مع كل ضربة ، ولو حدث هذا الضرب في أي مكان آخر في الكون ، لمات متلقي هذه الضربات آلاف المرات، ولكن لأن ملاك الموت محروم من ممارسة مهنته في الجنة، فقد ظلت روح جبريل متمسكة بذرات جسده المتلاشي ، تحوم حولها والألم والمعاناة يسحقها.

بعد أن خفت حدة إعصار الغضب الإلهي ، نظرت سدرة المنتهى بحسرة إلى جسد جبريل الممزق في الهوة العميقة التي حفرها جسمه نتيجة الضربات الإلهية في حقل حصى الياقوت والماس واللؤلؤ والمرجان، فغشاها سيل من قطرات الماء المقدس غطت أوراقها المنتصبة كآذان الفيلة ، وأخذت الدموع الإلهية تنهمر على أرض جنة المأوى لتسقط فوق حبات اللؤلؤ والماس التي أخذت بدورها تتقافز لتلاقي الدموع المنهمرة من الأعلى. قالت له بصوت فيه حزن وعتاب: لماذا تصر على معارضتي يا جبريل، ألم أقل لك أنك لن تستطيع معي صبرا؟ الم أقل لك أني أعلم ما لا تعلم؟

لم يحاول جبريل الإجابة ، ولكنه فكر في نفسه مستنكرا : ولكنك أنت اللتي أمرتني أن أنتقدك؟! ونزلت من عينه المقلوعة دمعة عندما خطر له هول معاناة أبيه إبليس في غابر الزمان.

قالت سدرة المنتهى وقد أصبح بإمكانها الآن قراءة أفكار جبريل التي أخذت تسيل مع سيل الضوء الأحمر القاني النازف من جروحة: نعم ، قد تكون كل اعتراضاتك على محتوى السورة صحيحة، ولكني لو كتبتها بالطريقة التي تريد فإني سأكون قد تنازلت وصرحت للمسلمين بالتفكير العقلاني المنطقي.

لم يستطع جبيرل أن يسكت عند هذه الكلمات فقال بصوت أثقله أثر ضربات الهراوة الهائلة في رئيته وبحشرجة شديدة نتجت من تمزق حباله الصوتية بعد إحدى الكاتات التي ضربه بها أحد الأغصان الثخينة على حنجرته: أليس من الأفضل أن يؤمنوا بك بعقولهم ؟ أليس الإيمان عن طريق العقل خير من الإيمان الأعمى بالعاطفة؟

سدرة المنتهى بغضب ونفاذ صبر: لقد عدت لحمقك الملائكي يا جبريل ، كم مرة علي أن أذكرك أنهم إن استعملوا عقولهم للوصول للحق فإنهم سيبدأوا طريق الشك بي ، وإنهم إن تعلموا تحصيل العلم بالمنطق، فإننا سنتلاشى من الوجود! كلنا! أنا وأنت والملائكة والشياطين ، وكل ما ترى من حولك ، حتى النار ستخبو وستتلاشى معنا.

السورة يا عزيزي جبريل مصممة لقهر عقول من آمن بي، وطمس حياتها.  لو فكروا سيعرفوا أن كل ما فيها خاطئ، ولكن لطمعهم في رضاي، فإنهم سيبذلوا قصارى جهدهم لإقالة عقولهم ولتشويه نظرتهم لعالمهم المحيط ، وسيكون كل ذلك للحصول على ما أعددت لهم من "جنات ونعيم."

صمت جبريل ولم يجب ودخله العجب والإعجاب من مكرها العظيم وتمتم بصوت شديد الخفوت: الآن فهمت ، هنا يكمن الإعجاز الحقيقي لهذه السورة.

قالت سدرة المنتهى وقد قرأت أفكاره: نعم ، الآن بدأت تفهم يا جبريل. ليست هذه المغالطات في السورة إلا محنة لعقول المؤمنين. فإن أعظم الأيمان أن يقول لك عقلك والمنطق شئ ، ثم تختار نقيضه لأنه متسق وآياتي. وأنا أتوقع من كل من آمن بي أن يفني كل قوى عقله وهو يحاول أن يجعل قوانين الكون متسقة مع مغالطات آياتي.

قال جبريل بخفوت: سبحان مكرك يا إلهتي.

عندما شعرت السدرة بصدق إعجاب جبريل ورضاه ، حركت أحد أغصانها فوق جسده الممزق المفرود على مساحة واسعة من أرض جنة المأوى. ومن الغصن تدلت إحدى الأزهار الرائعة الجمال ، الكاملة التكوين، وأخذت تنقط عليه من رحيق الحياة. قالت له مواسية: سأتنازل هذه المرة فقط واستبدل الآية رقم49 بآية آخرى كتعبير عن إعجابي بجهدك واجتهادك في خدمتي.

في الحال دب النشاط في جسده ، وطارت شظايا عظامه لتلتحم بقرقعة سمعت في الجنة السفلى ، والتأمت رئتاه ، وتدحرجت كرات عينيه لتسكن في مقلها ، وأسرعت أمعائه تزحف نحو تجويف بطنه كالأفاعي ، وما هي إلا لحظات حتى نهض وأخذ يعاين جسمه المتكون من جديد. وقبل أن يبدأ بتجويد لازمة حمدها على ما منحته من الصحة والعافية ، لاحظ أنه بالرغم من أن ريش ذيله قد اكتمل كما كان، فإن أجنحته الستمائة الملتئمة قد أتخذت أشكال أجنحة الوطاويط. قال بأسى : هذه الأجنحة مقرفة جدا يا إلهتي!

سدرة المنتهى بتهكم مرير: سبحاني، يبدو أنني استعملت رحيق الحياة الخاطئ ! همممممممم، الزهرة التي استعملت كانت مخصصة لبعث سكان كوكب فيفا الكائن في المجرة M69 . لا بأس عليك ! استعمل أجنحتك الجديدة للألف سنة القادمة. مع مرور الزمن ستتعود على آلام القروح ، وقرف نتن العرق !

قالت بعدها بصوت حازم منتقم: هل ظننت يا جبريل أنني سأنسى معارضتك لي؟!

جبيرل بمرارة: كيف تنسى سبحانك وأنت المنتقمة شديدة العقاب!

انتفخت سدرة المنتهى عجبا عند سماع هذه الكلمات، وقالت بلهجة آمرة خلت من أي عاطفة: إنهض في الحال، عليك أن تنزل سورة النحل للإرض.

حمل جبريل صفيحة الجلد ، وطواها بعناية وإتقان تحت جناحه الوطواطي الثاني والسبعين ، وطار بجهد شديد نحو الأرض.

من شدة الألم لم ينتبه أنه لا حجرا من الياقوت ، أو من الماس أو المرجان، قفز ليتبعه في طيرانه.


 عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: مررت مع رسول الله بقوم على رؤس النخل ، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ فقالوا يلقحونه يجعلون الذكر في الأنثى فيتلقح ، فقال رسول الله : ما أظن يغني ذلك شيئاً . قال: فأخبروا بذلك فتركوه ، فأخبر رسول الله بذلك فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه ، فإني إنما ظننت ظناً ، فلا تؤاخذوني بالظن ، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به ، فإني لن أكذب على الله عز وجل
 كثيب الوفود: مرتفع صغير تعلوه منصة الوفود التي يقف عليها الأنبياء والوفود القادمة من الكواكب البعيدة لمقابلة الله في جنة المأوى . راجع قرآن أبو لهب.
 راجع مقال أبيقور عن الصراع الفكري الذي جرى بين محمد والنضر بن الحارث. على الرابط التالي:
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) (الأنعام)  كما يرجى مراجعة مقالتنا عن "اللحمة في الجنة "والتي نحاول فيها أن نثبت فيها أن الحيوانات تبعث وتدخل الجنة أو النار.
 وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة/30}
 وَقَوْله : { مِنْ بَيْن فَرْث وَدَم لَبَنًا خَالِصًا } يَقُول : نُسْقِيكُمْ لَبَنًا , نُخْرِجهُ لَكُمْ مِنْ بَيْن فَرْث وَدَم خَالِصًا ; يَقُول : خَلَصَ مِنْ مُخَالَطَة الدَّم وَالْفَرْث فَلَمْ يَخْتَلِطَا بِهِ -الطبري
نَبَّهَ سُبْحَانه عَلَى عَظِيم قُدْرَته بِخُرُوجِ اللَّبَن خَالِصًا بَيْن الْفَرْث وَالدَّم . وَالْفَرْث : الزِّبْل الَّذِي يَنْزِل إِلَى الْكَرِش , فَإِذَا خَرَجَ لَمْ يُسَمَّ فَرْثًا . يُقَال : أَفْرَثْت الْكَرِش إِذَا أَخْرَجْت مَا فِيهَا . وَالْمَعْنَى : أَنَّ الطَّعَام يَكُون فِيهِ مَا فِي الْكَرِش وَيَكُون مِنْهُ الدَّم , ثُمَّ يَخْلُص اللَّبَن مِنْ الدَّم ; فَأَعْلَمَ اللَّه سُبْحَانه أَنَّ هَذَا اللَّبَن يَخْرُج مِنْ بَيْن ذَلِكَ وَبَيْن الدَّم فِي الْعُرُوق . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ الدَّابَّة تَأْكُل الْعَلَف فَإِذَا اِسْتَقَرَّ فِي كَرِشهَا طَبَخَتْهُ فَكَانَ أَسْفَله فَرْثًا وَأَوْسَطه لَبَنًا وَأَعْلَاهُ دَمًا , وَالْكَبِد مُسَلَّط عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَاف فَتَقْسِم الدَّم وَتُمَيِّزهُ وَتُجْرِيهِ فِي الْعُرُوق , وَتُجْرِي اللَّبَن فِي الضَّرْع وَيَبْقَى الْفَرْث كَمَا هُوَ فِي الْكَرِش- القرطبي
 سورة النحل مكية بينما حرمت الخمر في المدينة ، في السنة الثانية للهجرة وعلى الأغلب بعد معركة أحد.
 كيف تصنع النحل العسل: ما يلي مترجم بتصرف من الرابط التالي: http://www.sciencetheatre.org/ask_st/073097.html
يستخدم النحل رحيق الأزهار لصناعة النحل. والرحيق يتكون من أكثر من 80% من الماء والباقي من جزيئات السكر المعقدة. ويمكن رؤية رحيق الزهرة إن سحبت قلبها كسائل ليس له لون. وفي أمريكا الشمالية، تجني النحل الرحيق من أزهار الكلوفر ، وأزهار أشجار الفاكهة وغيرها. وتستخدم النحل ألسنتها الطويلة كالخرطوم لمص الرحيق من الأزهار وتخزينه في "كيس العسل" ، وللنحلة معدتين ، الاولى كيس العسل الذي تستخدمه "كمستودع" لنقل الرحيق ، ويقع قبل المعدة العادية في قناة الهضم، والمعدة العادية التي تستخدمها لتخزين حاجتها من الطعام وهضهمها. ويمكن لكيس العسل أن يحمل 70 ميلغرام من الرحيق مما يقرب من وزن النحلة ذاتها. ويتوجب على النحلة أن تزور من مئة إلى خمسة مائة زهرة لتملأ كيس عسلها.
عند عودة النحلة لبيتها تنقل الرحيق إلى عاملات النحل. فتقوم العاملات بمص الرحيق من فم النحلة "الجوالة" ثم تقوم هذه العاملات بمضغه لمدة نصف ساعة تقوم خلالها إنزيمات خاصة بتفتيت جزيئات السكر المعقدة إلى جزيئات سكر بسيطة حتى يسهل هضمه من قبل النحل وحتى تزداد مقاومته للجراثيم مما يساعد في زيادة مدة حفظه. بعدها تقوم العائلات بنشر الرحيق الممضوغ على جدران البيت الداخلية لتسريع تبخر الماء منه ، كما تقوم العاملات بهفهفة أجنحتها عليه كمروحة للمساعدة الإضافية في عملية تبخر الماء منه. وعندما يصل العسل إلى اللزوجة المطلوبة، تقوم النحل بتخزينه عن طريق تغطيته بالشمع إلى أن يحين الوقت لإستعماله.
أما عن فوائد العسل الصحية فهي معروفة من قبل الحضارات الإنسانية لآلاف السنين قبل بعثة محمد ، فمثلا إستخدمه المصريون القدماء في معالجة الجروح والقروح.
 يقوم حاليا جبريل بتحرير سورة جديدة مع أبي لهب بأسم "سورة بحر الثريد" وستنشر في وقت لاحق.

هناك تعليقان (2):

ALi يقول...

يا ابو لهب صدقا لا احب ان اتكلم بكلمات سخيفة فتقولون ان المسلمين لا يعرفون بالنقاش المتحظر وهم دوما يسبون اي انسان ينتقدهم ولو بكلمة واحدة
ولاكن صدقا لم اجد في كتابتك غير السخافة والسذاجة والاستهبال.. كما يقولون اخواننا في الخليج
يا ابو لهب نصيحة مني اقضي اوقات فراغك بأشياء تنفع بها نفسك والله غني عنك
وان كنت ملحد فنحن مسلمون فترك ديننا وتفرغ لشؤن حياتك خير لك ولنا
فأنت لا تحب ان تشتم من الغير ونحن ايضا لا نحب ان نشتم او يستهزء بنا من اي انسان وبالاخص ان كان هذا الانسان شخصا بائسا مثلك
هداك الله
او هداك من تشاء

Abu Lahab يقول...

العزيز علي:
شكرا لزيارة مدونتي ، وشكرا على الدعوة لي "بالهداية" مع أني من المهتدين، ولهذا أدعو لك أيضا بالهداية الحقيقية.

يا أخي حاشا العزى أن أشتمك أو أشتم المسلمين، فأنتم أهلي وأحبتي، ولكن أرجو منك أن تفهم أن الدين ملك عام، وللجميع الحق في نقده بأي طريقة يشاؤون.

أطيب التحيات

Links

    لا يعني إدراج الروابط التالية أن أبو لهب يوافق على كل ما يرد فيها وعلى وجه التخصيص , فنحن نرفض وندين أي مقالات معادية للقضية الفلسطينية أو القضية العربية