الجمعة، مايو 18، 2007

سورة السماء الدنيا

سورة السماء الدنيا

بســــــمك اللــــــهم

أبطأ المعراج بعدها، وشاهدت من خلال الغرفة مركبة غريبة جاءت لتطير بمحاذاتنا. نظر إليها جبريل من لوحة زجاجية كبيرة أمامه وقال لمحمد: هذا حرس السماء الملائكي جاء ليستقبلنا. وما أن بدأت أنظر للمركبة لأتعجب من جمال صنعها وتناسقها، حتى خرجت من مقدمتها إنبوبة كبيرة، وخرج منها وميض شديد، تبعه آخر ثم أخر، ورأيت بعدها ثلاث أحجار كروية تحترق بنار حمراء وتهي نحونا. فهمت عندها أن هذه الشهب كانت مصوب نحونا، ففزعت وهممت أن أعوذ بالعزى، فزادت الفكرة من فزعي، ونظرت نحو محمد بهلع. أهتز عندها المعراج بعنف ودوت طقطقات رهيبة متتابعة، خلت منها أننا سنتمزق إربا.

قال محمد بهدوء: لا تخف يا عمي، الحرس السمائي معروف بدقة إصابته. لا بد أن أحد العفاريت قد تعلق بذنب المعراج في محاولة للتسلل إلى داخل السماء الدنيا ولكنهم كانوا له بالمرصاد.

ظهرت بعدها شبح في الهواء لملاك شديد البأس أمام جبريل. حيانا وقال: الملازم مقاتيل في خدمتك سيدي جبريل. ، وكان الشبح متدثرا بدروع تغطي كل جسمه ومتوشحا سيفا عظيما، وكان يضع زجاجا ملونا يغطي عينيه. تابع بعصبية ظاهرة: آسف للإزعاج ولكن أجهزتنا رصدت ثلاثة عفاريت من فرسان أبو خطفة تحاول استغلال فتح البوابة السماوية للتسلل خلفكم. الأغلب أنهم تعلقوا بالمعراج عند انطلاق سيادتكم من بيت المقدس.

قال جبريل: أحسنت عزيزي مقاتيل، للأسف انشغلنا هنا بضيفنا رسول الله وعمه أبو لهب ، وفاتني أن أقوم بالمهام الأمنية المعتادة. حيا الملاك المدرع جبريل برفع يده نحو وجهه واختفى، ولكني كنت لا أزال أرى المركبة الملائكية تواكبنا في رحلتنا للأعلى.

ازداد تباطئ المعراج بعدها إلى حد كبير وميزت من نافذتي بوابة هائلة أخذت تنفتح للسماح لنا بالدخول، وانشغل جبريل بلوحات الأضواء البارقة أمامه. دخلنا بعدها من البوابة وطرنا بالمعراج نحو بناية مذهلة الترامي والإرتفاع. وببطئ اتجه المعراج نحوها وجبريل يقوده بمهارة بين أعداد ضخمة من المركبات، بعضها يشبه المعراج، ولكن أكثرها كان بمختلف الأحجام والأشكال. وقف المعراج وخرجنا منه في ساحة هائلة تعج بالمخلوقات الغريبة التي لم يكن بإمكاني أن أتخيل وجودها، وكانت تمشي وتركض في كل اتجاه. طمأنني محمد قائلا لا تخف، لن يمسك ضر من أي من هؤلاء. وبعد أن وقفنا على أرض متحركة، حملتنا في ممرات طويلة، مليئة بالأصوات والأضواء والنوافذ الزجاجية الحاوية لملائكة أو ملكات يتكلمون بسبعينات مسبعة من اللغات، وبعد مشي إلى أبنية أخرى، وركوب براق آخر (لم أسأله عن اسمه) طار بنا عبر مسافات شاسعة في السماء الدنيا من فوق ممر كان على يمينه أرض خضراء في غاية الجمال وعلى يساره أرض جدباء تشتعل فيها النيران ويتصاعد منها الدخان، وصلنا برج من الرخام، قاعدته في أرض السماء الدنيا ويمتد إلى الأعلى دون أنقطاع. عددت عند قاعدة البرج سبعة أبواب، قادنا جبريل إلى الباب السابع منها والواقع في أقصى اليمين وكان في أعلاه رسمة حمامة بيضاء. وبعد أن ضغط بإصابعه مرات عديدة على لوحة مليئة بالرموز والأضواء مختلفة الألوان، فتح الباب مصراعيه، ودخل جبريل في غرفة صغيرة ودفعني محمد دفعا لأتبع جبريل إلى هذه الغرفة المخيفة. وما أن دخلنا حتى أغلق الباب، فقال محمد للتخفيف من الرعب الذي استحوذني ، لا تحزن عمي، إن الله معنا، فغمرت السكينة قلبي. قال جبريل مخاطبا لوحة مضائة بمختلف الألوان والأشكال: إلى جنة المأوى. رد عليه صوت نسائي لطيف بعد أن تنهد وكأنها عاشقة تخاطب حبيبها: نعم سيدي جبريل، ولم تكد صورة تناسيم تظهر في مخيلتي حتى شعرت بجسمي يتثاقل مرة أخرى، وانقشعت السكينة من صدري، وغشاني شعور بالغثيان، وقعت على أرض الغرفة وتقيأت بشدة خلتها ستقلع خصيتي، ثم فقدت كل ملكة على نفسي فانسهلت وخرج مني بصوت منكر ورائحة أنكر، كل ما أكلته من لحم الجمال والثريد وكل الخمر الدمشقية التي شربتها مع أم جميل في تلك الأمسية الممتعة في بيتنا على أرض مكة، التي بدت الآن بعيدة جدا وعزيزة جدا. غمرني شعور هائل بالخزي والخجل والضعف فوضعت رأسي على أرض الغرفة الصاعدة وأنا أرتعش كالمقرور، ولكني لم أغب عن وعيي لحظة واحدة، ربما بسبب القلق والخوف الشديد مما كان يحصل لي.


(1) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ {6} وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ {7} لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ {8} دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ {9} إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ {الصافات/10}.

ليست هناك تعليقات:

Links

    لا يعني إدراج الروابط التالية أن أبو لهب يوافق على كل ما يرد فيها وعلى وجه التخصيص , فنحن نرفض وندين أي مقالات معادية للقضية الفلسطينية أو القضية العربية