نشوز دجاجة
حاولت أن أجد تفسيرا علميا لصياح الديكة ، ولكن كل المقالات التي وجدت لم تتجاوز الفرضيات ، مع بعض الكلام المنطقي مثل أن الديكة تصيح لتعلن عن مساحة سطوتها وسيطرتها على المجموعة بما فيها من دجاجات وديوك ثانوية، أو لتحذير حريمها من الدجاج عن خطر قادم . وقد يكون أن أصل العادة يعود إلى عصور ما قبل التدجين حين كان الديك يدعو سربه إليه في الصباح من مخابئ الليل. وتذكر هذه المقالات، كما يعلم الكثير منا ، أن الديكة لا تصيح فقط عند بزوخ الفجر ، ولكنها قد تصيح في أي وقت من اليوم، ومن التجارب التي ذكرت ، أن الديكة في مزرعة الدجاج تصيح بقوة عند أضاءة الأنوار الكهربائية في الليل.
أما إسلاميا، فيعلمنا، الحديث المحمدي الصحيح في كل من البخاري ومسلم ومعظم كتب الحديث الأخرى، "أن نسأل الله من فضله" عند صياح الديكة والذي حسب زعم أبي القاسم أنها تعلن به عن حضور الملائكة:
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا
وبين محاولة الحصول على الإجابة العلمية، ونص الحديث المحمدي الشريف، وجدت نفسي أتجسس بأجهزة التسجيل والميكروفونات الألكترونية الحديثة، عن طريق وضع ميكرفون في تجويف بيضة تحت الدجاجة البنغالية أم الريش، والتي كانت باركة على بيض دجاجنا لتفقيسه. ووكر الدجاج في فناء بيتي في مكة يتولى أمره أبو صياح، وهو ديك منفوخ بالتيه ، يكسوه الريش الأبيض إلى ما تحت ركبته، ويعلو رأسه عرف أحمر بتموج أبيض يتراخى بكسل إلى أسفل رقبته. وقد سألنا أحد الببغاوات البرازيلية المثقفة أن تترجم لنا حديثا طويلا سجلناه في خلوة بين أبو صياح وبين أم سودة ، إحدى حليلاته وأكثرهن شبابا وحظوة. ما يلي ترجمة حرفية من اللغة الدجاجية إلى العربية للحديث الذي دار بينهما، مع الشكر للمجهود الكبير الذي قدمته الببغائة أم لسان:
أبو صياح: ألحقيقة يا أم سودة أني غير راض عن حالتك في الأسابيع الأخيرة، فأنت باردة عند النكاح، وبيضك أقل، وأراك كثيرة الشرود وقليلة المساهمة في نقنقة أخواتك الدجاجات ، والمساعدة في رعاية صيصانهن!
أم سودة بنزق: الآن تسأل عن حالي يا أبا صياح؟
أبو صياح بعد تعديل عرفه الأحمر بنزق: حسنا، ما المشكلة إذن؟
أم سودة: وكأنك لا تعلم ! لقد طلبت منك أكثر من عشرين مرة أن تسمح لي بالإعلان عن وجود الملائكة ، ولكنك لا تقبل إلا أن تعلن عنهم بنفسك؟ وكم من المرات فاتتك رؤيتهن وأنت غارق كعادتك في الوطأ والنكاح. وكما تعلم فعيوننا لها نفس قدرة عينيك في الرؤية باستخدام الأشعة الفوق بنفسجية
(1)، فلمذا لا نشارككم معشر الديوك في هذه العمل الصالح وحتى يكون أجرنا عند الله أعظم؟أبو صياح وقد بدأ يرتب أطراف عرفه الأحمر المتدلي بنزق أكبر: كم مرة قلت لك أن رسول الله ، صلى عليه وسلم ، قالها صريحة في حديثه الصحيح أن الديكة فقط هي من يعلن عن حضور الملائكة؟ والحديث لا يقول زعبرة الدجاج أو نقنقتهن!
أم سودة بتحد وإباء: ولكني أطرب عند رؤية الملائكة التي توقد رؤيتها في جوانحي حريقا يؤججني أن أعلن عن حضورها بالنقنقة والزعبرة ، تماما كما تفعل أنت
أبو صياح: هل جننت؟ وإن أخذت بالصياح فماذا سيكون رد فعل صاحبنا أبو محمد؟ ربما ستطالبين أيضا بالوقوف معي فوق السياج! ألا تخشي أن تراك الديكة الأخرى، أو حتى الثعالب وتهاجم عشنا ؟ اتق الله يا دجاجة
أم سودة: وما ذنبي أنا وأخواتي إن خلقتنا الله إناثا؟ في المزرعة التي جئت منها كنا جميعا نصيح، ديوكا ودجاجا، عندما تشرفنا الملائكة بحضورها
أبو صياح بغضب شديد: هكذا إذن، تريدين التشبه بدجاج المزرعة الغربية، نحن يا أم سودة لنا تقاليدنا وديننا ، ولن نتبع ما تفعله الديوث الديكية في المزارع الغربية
أم سودة بتعالم لا تعرفه معشر الدجاجات: ومع أن الحديث ينص بالفعل على صياح الديكة، إلا أنه لا يعلن أن نقنقتنا عن حضورها حرام
أبو صياح جاهدا أن يخفي غضبه: في الحياة يجب أن تتقبلي دورك الذي خلقته الله لك، فجسمك معد للبيض والتفقيس وأنا أعاملك ما دمت قانعة بدورك كالدر المكنون. حسنا يا حبيبتي أم سودة أنظري إلى جارتك أم جحش ، هل سمعتيها أبدا تناقش بعلها أبا الجحوش في شؤون كشف الجن والعفاريت؟ مع أن صوتها يقارن بصوته علوا ونكرا !
أم سودة بصوت عال وكأنها تحاول أن تسمعها أم جحش: ولكنها حمارة يا أبو صياح!
أبو صياح وقد أهاج طبيعته عناد أم سودة: تعالي إذن إلى هنا لتبركي من تحتي
أم سودة بنشوز شديد: لا لن آتي وعلى أي حال ، أنت الآن تعلم أسباب إحباطي، كما أنه دخل للتو إلى وكرنا سرب من الملائكة وأستحي أن تنكحني أمامها
أبو صياح: لقد جائت للعنك أيتها الناشزة
(2)طار عندها أبو صياح بقفزة جبارة ، وركل أم سودة لنشوزها في رأسها بظفره الخلفي، قالعا إحدى عينيها
(3)، ثم تركها وهي تصرخ وتدور حول نفسها وقفز على السياج يصيح ليخبر مالكه أبا محمد بحضور الملائكة.ركضت عندها نملة من حفيدات نمل الملك سليمان إلى ملكتها، وبشرتها بفرح كبير عما حل بإحدى ألد عدوات النمل. قالت ملكة النمل وهي تحاول جاهدة أن تحفظ وقارها: سيذبحها أبو محمد ويخلصنا منها، جزاء بما كانت تصطاد من بناتي ، والله إني أكاد أن أشم رائحة الشواء
(4)(1) هكذا يفسر المسلمون من هواة الإعجاز العلمي هذا الحديث، مع العلم أنه يوجد جهاز لقياس طول أي موجة من الطيف الألكترومغناطيسي ودون استثناء ، من أشعة غاما ومرورا بالأشعة السينية والطيف المرئي ، إلى الأشعة التحت حمراء (وهذه حسب زعم الإعجازيين من تخصص عيون الحمير لتنفرد بها برؤية الجن) إلى الأمواج الطويلة مثل أمواج الميكرويف وأمواج الراديو
(2)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح) وفي رواية لمسلم: (إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح)(3) واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجعواضربوهن-قرآن كريم، سورة النساء
(4) محمد بن أبي بكر محمد بن عبد الله بن عثمان وهو محمد بن أبي بكر الصديق وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية ، وشهد محمد إبن أبي بكر مع علي الجمل ، وكان على الرجالة ، وشهد معه صفين ، ثم ولاه مصر فقتل بها ، وكان ممن حصر عثمان بن عفان ودخل عليه ليقتله ، فقال له عثمان : لو رآك أبوك لساءه فعلك ! فتركه وخرج ، ولما ولى مصر ، سار إليه عمرو بن العاص فإقتتلوا ، فإنهزم محمد ودخل خربة ، فأخرج منها وقتل ، وأحرق في جوف حمار ميت ، قيل : قتله معاوية بن حديج السكوني ، وقيل : قتله عمرو بن العاص صبراً ، ولما بلغ عائشة قتله إشتد عليها ، وقالت : كنت أعده ولداً وأخا ، ومذ أحرق لم تأكل عائشة لحماً مشوياً ، وكان له فضل وعبادة ، وكان علي يثني عليه ، وهو أخو عبد الله بن جعفر لأمه ، وأخو يحيى بن علي لأمه ، أخرجه الثلاثة/ بن الأثير - أسد الغابة. ( لما قتل محمد إبن أبي بكر ووصل خبره إلى المدينة مع مولاه سالم ومعه قميصه ، ودخل به داره اجتمع رجال ونساء ! فأمرت أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وآله بكبش فَشُوِيَ وبعثت به إلى عائشة وقالت: هكذا قد شُوِيَ أخوك ! فلم تأكل عائشة بعد ذلك شواء حتى ماتت)
هناك 11 تعليقًا:
عزيزي عبدالعزى
للديكة مقام عند الله لم يحض به أي طير آخر، لامن طيور الأرض ولامن طيور الجنة. فقد وهب الله الديوك شرف زعيق التنبيه .. عفواً، صياح التنبيه على الملائكة، دون غيرهم من البهائم.
ولكن الشرف الأعظم يذهب حتماً إلى ذلك الديك الذي يثني عنقه تحت عرش الإله بعزته وجلاله:
"إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك قد مرقت رجلاه الأرض ، و عنقه منثن تحت العرش و هو يقول : سبحانك ما أعظمك ربنا ، فيرد عليه : ما يعلم ذلك من حلف بي كاذبا"
ليتنا كنا ديكة لنفوز فوزاً عظيما ...
إذا لم نُذبح قبلها
ولك تحياتي
عزيزي بصيص: شكرا على المرور والتعليق
نعم ، وأنا أيضا أتمنى لو كنت ديكا، ولكن دجاجتي ، حمالة الحطب ، تسلقت السياج وجالدتني على الصياح فغلبت!
أطيب التحيات والأماني
عبد العزى
عمت مساءً يا أبا لهب
ولكم انتابني الشعور بالحيرة من مسألة صياح الديكة والتفسير القرآني العجيب لها , وكم من مرة تصادف اجتماع صياح الديك مع نهيق حمار في وقت واحد ,,,
عندنا في غزة على أبواب المساجد تجد دائما عربات البيع التي يجرها الحمير , وكثيراً ما تنهق الحمير بينما المؤمنون يؤدون صلواتهم , وعندما كان هذا الأمر يحصل وأنا أصلي بالمسجد كنت أكاد أغمى علي من الضحك , فها هو شيطان لعين قد تمكن من اختراق البودي جاردات الربانية وتسلل بينهم ,,,
مقالك رائع يا أبا لهب
تحيااااااااااااااااااتي لك
ودمت سالماً
لله درك يا صديقي
ابو طالب
العزيز Sahran:
أشكرك أخي سهران على رسالتك الرقيقة.
أعجبتني مدونتك "كن حرا" والجهد العظيم الذي تقوم فيه. وقد شرفني أن أضع له رابطا في مدونتي.
أرجو أن تتقبل أجمل التحيات لكم وإلى كل إنسان في أرض غزة البطلة
عبد العزى
أخي العزيز وعمدة قريش أبو طالب:
لولا تشجيعك لما كتبت شيئا. أرجو دوام الإتصال
عبد العزى
كيف أستطيع أن أخبرك ما أنت بالنسبة إلي؟ اتمنى ان استطيع أن اخبرك بحبي لك لكني لا اجد الكلمات المعبرة. أنت الانسان الذي غير حياتي رأساُ على عقب، أنت الانسان الذي علمني أن الحياة لها معنى أكبر بكثير من تلك الخرافات التي كنت أؤمن بها. لن أنسى أبداً اليوم الذي عثرت فيه صدفةً على مدونتك. لم انقطع عن قراءة الكتب منذ ذلك اليوم. أنا اليوم أنا! أنا اليوم أسعد انسان على وجه الأرض فشكراً لك ثم شكراً ثم شكراً لك.
ملاحظة: قمت بإنشاء صفحة على الفايسبوك تحمل نفس إسم مدونتك.
http://www.facebook.com/page.Abu.Lahab
عزيزي غير معرف:
وأنا الآخر أعجز عن وصف امتناني وشكري لهذه الرسالة الجميلة. أنا أعلم جيدا أني لا أستحق هذا الثناء، ولكن بالرغم من ذلك فإني أعترف أن رسالتك تملأني بالفخر ، وتعطيني ذخيرة وقوة للمضي في رسالتنا المشتركة.
شرفني أن أضع رابطا لموقعك على موقعي
أطيب التحيات والإمتنان
أخوكم أبو لهب
عزيزي أبو لهب،
يشرفني وضعك لرابط صفحتي المتواضعة على مدونتك. تجربتي مع اللادينية مازلت حديثة العهد و كلما زادت خبرتي في هذا الميدان كلما أدركت كم هو قليل ما يتطلبه من إمكنيات كذلك مشاغل الحياة كثيرة(دكتوراه علمية) لذلك لا أجد الوقت الكافي للمساهمة جدياً في نشر التنوير وإخراج مجتمعنا من الجهل الذين هم غارقون فيه في زمن ساد فيه أهل البدع والضلالات.
كم اتمنى أن يكون أبو لهب التونسي الصغير خليفة لشخصك الكريم في يوم من الأيام. حسابي الوهمي على الفايسبوك: TheGodless Liberal
كامل احتراماتي وتقديري لعملك الانساني باسم كل اصدقائي اللادنيين التونسيين.
الاخ والاستاذ العزيز ابو لهب
تحية طيبة
في الحقيقة انا من المتابعين لكل ماتخط ياداك وتبدع منافكار نيرة لدك هذا الحصن العنيد الذي وقف مئات السنين ليعطل مسيرة التطور وتقدم
اليوم اكتب لك لاطلب الاذن للاستعانة ببعض افكارك لنشرها في مواقع في مواقع اخرى مثل الحوار المتمدن
وتقبل مني فائق الاحترام والمحبة
سالم النجار
العزيز سالم النجار:
شكرا لزيارة مدونتي وللكلمات اللطيفة
بإمكانك أن تنشر كما يحلو لك وبدون شروط، مع أني سأكون مممتنا لك لو أشرت لمدونتي كمصدر.
سأكون شاكرا أكثر لو نشرت ما تحب في الحوار المتمدن لأنهم يرفضوا أن ينشروا لي مباشرة بسبب إصراري على عدم ذكر الأسم الذي تبنيته في عصركم هذا
أطيب التحيات والأماني
عبد العزى
إرسال تعليق