الخميس، مارس 13، 2008

أنزلنا الحديد: نظريات تكون المجموعة الشمسية


نظريات تكون المجموعة الشمسية في التاريخ

تعتبر مسئلة تكون الأرض (خلق الأرض بلغة المسلمين) من أكثر المسائل تأملا وبحثا لدى جميع الحضارات الإنسانية، ولكن معظم النظريات اعتمدت إما جزئيا أو كليا على الخرافات وارتبطت بالإعتقادات الدينية ارتباطا وثيقا ، وأكبر مثال على ذلك النظرية الفلكية في القرآن والتي ليست أكثر من معلومات مشتتة عن الإعتقادات التي تعلمها العرب من الأديان والحضارات القديمة حولهم.  وإبتداء من القرن السابع عشر ، بدأت محاولات جدية بالظهور في أوروبا لتفسير تكون الأرض باستخدام القوانين الفيزيائية التي بدأت تمر بمرحلة تطور غير مسبوق في تاريخ البشرية ، ومن أوائل من كتب حول هذا الموضوع الفيلسوف والعالم الفرنسي ريني ديكارت (1596-1650) ، ولكن المحاولات العلمية الفعالة لم يكن لها أن تبتدإ إلا بعد توثيق نظريات نيكولاس كوبرنيكس (1473-1543) وغاليلو غاليلي (1564-1642) وإسحاق نيوتن (1643-1727) وانتشارها واستيعابها في المجتمع العلمي. وقد شهد العلم في القرنين الماضيين نشاطا واسعا ومحموما في محاولة لتخريج نظرية مقبولة تفسر كل الظواهر الفيزيائية الموجودة في مجموعتنا الشمسية ، ولهذا لن يكون بإمكاننا ذكرها جميعا. فيما يلي سنكتفي بعرض مختصر لأهم النظريات العلمية الحديثة ، وسيكون عرضها مبنيا أولا على أهميتها في تطوير صورة علمية متوافقة مع واقع المجموعة الشمسية ، وثانيا على علاقتها بمسألة توزيع العناصر ، مع تركيز على الحديد ، بين الكواكب الداخلية والكواكب الخارجية للمجموعة الشمسية ، أي على علاقتها بموضوع "إعجاز تنزيل الحديد" المزعوم.

1.      نظرية السديم النجمي للابلاس Laplace’s Nebular Theory

وضع العالم الفرنسي لابلاس أول محاولة علمية مبنية على القاونين الفيزيائية والمعادلات الرياضية لتفسير نشوء كواكب مجموعتنا الشمسية في عام 1796 ويوضح شكل 3 السمات العامة لهذه النظرية. في هذه النظرية، تكون نقطة البداية سحابة سديم نجمي كروية تتكون من الغاز والجزيئات البسيطة . وحسب هذه النظرية فإن هذه السحابة السديمية التي كونت فيما بعد مجموعتنا الشمسية، كانت تحوي جميع العناصر الكيميائية الموجود في مجموعتنا الشمسية بما فيها الحديد ، وبهذا فهي تنفي نفيا قاطعا مقولة الدكتور النجار عن إنزال الحديد إلى الأرض من نجم آخر. وتدور هذا السحابة السديمية حول نفسها ببطئ، وتكون كثافة السديم في البداية منخفضة للغاية. تبدأ البنية الكروية للسحابة السديمية بالإنهيار تحت تأثير جاذبية مجموع كتلتها (شكل3a). وينتج من قانون حفظ الزخم الزاوي والتقلص في حجم السحابة السديمية إلى زيادة في سرعة الدوران وفي تفلطح البنية الكروية (شكل3b) ، مع مرور الزمن يزداد التفلطح لتتخذ السحابة السديمية شكل صحن محدب (شكل3c) ، وبحيث تأخذ المادة على الأطراف في الحركة المدارية الحرة حول مركز السحابة السديمية. وباستمرار الإنهيار الجذبي والدوران تتجزأ السحابة السديمية إلى حلقات غازية دائرية تدور في مدارات متباعدة حول المركز (شكل3d). بعد ذلك يتكثف الغاز تحت تأثير الجاذبية في كل حلقة لتكوين الكواكب ويتكثف الغاز في المركز تحت تأثير الجاذبية أيضا لتكوين الشمس/ النجم (شكل 3e). وتحدث عملية مشابهة ولكن على مجال أصغر في الحلقات الغازية لتكوين الأقمار الطبيعية حول الكواكب.

وقد حلت هذه النظرية مسئلة المدارات الدائرية للكواكب (مسئلة 2) ووجود الكواكب في مستوى واحد (مسئلة 3)، دوران الكواكب والأقمار في نفس الإتجاه (مسئلة  4،  5، 6)

المصاعب التي أسقطت نظرية لابلاس:

أدى تقدم العلم بعد أن وضع لابلاس نظريته ، وخصوصا إستعمال الحاسوب لبناء نماذج للعمليات الفيزيائية التي تحكم تكون السحابة وانهيارها وتكثف الغاز المكون لها إلى أجسام صلبة، إلى اكتشاف مصاعب كبيرة لم يتمكن لابلاس من ملاحظتها وأدت هذه المصاعب النظرية إلى التخلي عن نظرية لابلاس ولو إلى حين.

ونتجت الصعوبة الأولى من القوانين الفيزيائية التي تحكم ميكانيكية ذرات الغاز المكون للسحابة السديمية. وحسب هذه الحسابات، فإن حلقات الغاز المدارية لن تتمكن من التكثف لإنتاج الكواكب كما افترض لابلاس (مسألة 7)، وجائت نتائج الحسابات لتثبت العكس، وهو أن هذه الحلقات ستتبدد في الفضاء لأن درجة حرارة الغاز المكون للحلقات ستكون مرتفعة ، إضافة إلى ذلك فلن يكون هناك كتلة كافية في أي حلقة غازية لتكوين الكوكب تحت تأثير الجاذبية.

المشكلة الثانية التي واجهت نظرية لابلاس تعلقت بعدم قدرتها على حل (مسئلة 11)، فالبرغم من وجود 99% من الزخم الزواي في الكواكب الأربع الخارجية، تنبأت نظرية لابلاس بوجود معظم الزخم الزاوي في الشمس لاحتوائها على معظم كتلة المجموعة الشمسية (أكثر من 99%)، مناقضة بذلك الحسابات والأرصاد الفلكية الواقعية. وحسب نظرية لابلاس، فإن إحتواء الشمس على معظم الزخم الزاوي سيجعلها تدور حول محورها بسرعة تفوق مئة مرة سرعة دورانها الحالية ، فبدلا من الدوران حول محورها مرة واحدة في الشهر، فستدور (حسب نظرية لابلاس) مرة واحدة في بضع ساعات وستسطح هذه السرعة الكبيرة الشمس إلى صحن رقيق من الغاز يمنع الإشتعال النووي من الحصول.

المشكلة الثالثة التي واجهت هذه النظرية هي عدم قدرتها على تفسير (مسئلة 8) ، أي التمايز الكبير بين الكثافة العالية للكواكب الداخلية (عطارد، الزهرة، الأرض، المريخ) والكثافة المنخفضة للكواكب الخارجية، وارتفاع كثافة هذه الكواكب يدل على علو نسبة الحديد فيها بالنسبة لوجوده في الكواكب الخارجية. وهذه النقطة لها علاقة مباشرة بموضوعنا عن الإعجاز المزعوم في إنزال الحديد من السماء.

وكانت الصعوبة النهائية التي لم تستطع نظرية لابلاس حلها هي الإستثنائات الموجودة في المجموعة الشمسية (ولم تكن معروفة للابلاس ) مثل اختلاف محور دوران يورانوس حول نفسه، ودوران الزهرة المعاكس حول محورها (retrograde rotation).

شكل  3 : رسم يوضح المراحل الأساسية لنظرية لابلاس وتمثل انهيار السحابة السديمية لتكوين مجموعة شمسية (مقتبس من كتابPlanetary Science )

2.     نظرية جين للتصادم الثنائي لنجمين

تبعا للتفاصيل المقتضبة التي يوردها الدكتور النجار وزملائه من الإعجازيين عن تنزيل الحديد من "السماء"،  فإن هذه النظرية تشكل أقرب خلفية نظرية للفكرة التي حاولوا أن يبنوا عليها إعجازهم العلمي المزعوم عن "إنزال الحديد" من السماء . فبعد فشل نظرية لابلاس في تفسير الظواهر المختفلة في تكون المجموعة الشمسية، وضع الفلكي البريطاني جيمس جينز (James Jeans 1887-1946)   نظرية جديدة أسماها "نظرية المد " أو نظرية التصادم القريب. وتقوم هذ النظرية على فرضية أن كواكب المجموعة الشمسية تكونت بعد تصادم غير مباشر (close encounter) بين نجم عملاق مع شمسنا. ويمثل الرسم في شكل 4 توضيحا لهذه الفرضية القائلة أن الكواكب في مجموعتنا الشمسية نتجت من تفاعل الشمس مع نجم عملاق في طور التكون (proto star) عن طريق الجاذبية المتبادلة بحيث أدى هذا التفاعل الجذبي إلى سحب شريط من المادة الغازية من شمسنا الحالية إلى خارجها . ويشبه هذا التفاعل صعود ماء محيطات الأرض بسبب جذب القمر لها في ظاهرة المد والجزر ، إلا أن المد الذي أحدثه النجم العملاق كان كافيا لتحرير كمية كبيرة من الغاز من جسم الشمس خرجت منها على شكل شريط (شكل4-1)  ووضعها في مدار حولها. وقد أدى عدم الإستقرار الجذبي لهذا الشريط إلى انقسامه إلى أجزاء مختلفة باتجاهه الطولي (شكل 4-2) وتكثف هذه الأجزاء فيما بعد لتكوين الكواكب (شكل 4-3). كما أن النجم السائر بالقرب من الشمس تفاعل مع الكواكب أثناء تكتلها بحيث أعطاها كمية كافية من الزخم الزاوي ليضعها في مدارات دائمة حول الشمس. وأثناء عملية تكتل هذه الكواكب، وبعد أن بدأت في مدارها حول الشمس، أدت ظاهرة المد التي تؤثر بها الشمس على هذه الكواكب إلى عملية مماثلة أدت إلى تكوين الأقمار.

وقد برهن جيمس جينز بقدراته المتوفقة في الرياضيات أن الكواكب المتكونة ستدور حول الشمس في نفس المستوى (مسألة 3) كما أنه تمكن من تجاوز مسألة توزيع الزخم الزاوي في المجموعة الشمسية (مسألة 11) لأن الشمس ببساطة كانت قد تكونت بسرعة الدوران المعروفة قبل مرور النجم بالقرب منها ، وبهذا لم يكن هناك حاجة لإعادة توزيع الزخم الزاوي بين الشمس والكواكب.

المصاعب التي أسقطت نظرية التصادم

عندما وضعت هذه النظرية ، كانت مجموعتنا الشمسية هي المجموعة الوحيدة المعروفة للعلماء في ذلك الحين، وبسبب ذلك تم قبول هذه النظرية الكارثية (catastrophic theory) من الكثير من العلماء، ولكن لأن احتمالية حدوث تصادم بين نجمين في مجرتنا (وفي كل الكون) احتمال متناه في الصغر، ويقلل منه ندرة النجوم العملاقة. ولهذا فإن هذه النظرية بدأت تفقد شعبيتها بعد الأكتشاف الحديث لكواكب تدور حول نجوم أخرى. وسبب ذلك أن الفيزياء بشكل عام تفضل النظريات الكونية التي يمكن تطبيقها في جميع أرجاء الكون على النظريات الكارثية المحلية قليلة الإحتمال

شكل 4: رسم توضيح للسمات الأساسية لنظرية تكون الكواكب عن طريق جين للأصطدام الثنائي (مقتبس من كتاب The Origin and Evolution of the Solar System, Woolfson).

الصعوبة الثانية لهذه النظرية تتلخص في الأختلاف الكبير بين سرعة دوران المشتري وسرعة دوران الشمس حول محوريهما (27 يوما لدوران الشمس مقارنة بعشر ساعات لدوران المشتري حول محوره). وتبعا للحسابات الفلكية ، ولأن كثافة المشتري تقرب كثيرا من كثافة الشمس لم يتمكن العلماء من حل هذه المسألة من خلال فرضية تصادم النجمين.

هاتين الصعوبتين في النظرية لم تشكلا خطأ قاتلا فيها ، ولكن الصعوبات الناشئة من تفسير كيفية تكتل الغاز الخارج من مركز الشمس وليس من سطحها (كما يتطلب توزيع العناصر في الكواكب)  إلى كواكب بالرغم من حرارته المرتفعة (مسألة 7)  ، واستحالة إيجاد تفسير معقول للمدارات الدائرية للكواكب (مسألة 2) ، واستحالة تفسير مقدار الكم الزاوي الكبير المخزون في الكواكب (تحدث هذه المسألة في هذه النظرية باستقلال عن مسألة انخفاض الزخم الزاوي للشمس) شكلت عقبات لا يمكن لهذه النظرية أن تتخاطها.

والنقطة النهائية التي رُفِعت في الإعتراض على هذه النظرية لها أهمية بالغة لبحثنا في هذا المقال في الإعجاز المزعوم  للقرآن. فقد اكتشف حديثا أن الشمس تعاني من نقص كبير من عناصر الليثيوم والبيريليوم والبورون، وتوفر هذه العناصر بكثرة على الأرض وربما الكواكب الأخرى يشير إلى أن الأرض تكونت من مادة باردة وأن مادتها لم تُشتق من الغازات الشمسية وذلك لأن هذه العناصر الخفيفة المتوفرة على الأرض كانت ستفنى في عمليات الإحتراق النووي في الشمس في حال قدومها منها.

3.      نظرية السديم الشمسي Solar Nebular Theory

بعد أن فشلت نظرية التصادم الثنائي ، أعاد العلماء النظر في نظرية لابلاس وحلوا الكثير من المشاكل التي واجهتها في البداية إلى أن أصبحت حاليا النظرية المفضلة من قبل عدد كبير من علماء البلانتولوجي ، وقد حولت هذه التغيرات الكبيرة على نظرية لابلاس إلى نظرية تختلف كثيرا عن مصدرها التاريخي حتى أصبحت هناك ضرورة لتسميتها بإسم جديد لتمييزها عن نظرية لابلاس فأصبحت تعرف باسماء مختلفة مثل نظرية التكثف (The Condensation Theory or the Modern Laplacian Theory or the Solar Nebular theory). في ما يلي سنعرض هذه النظرية ببعض التفصيل لأنها تمكنت من حل معظم المسائل المطلوبة من أي نظرية تطمح للنجاح في تفسير تطور مجموعتنا الشمسية وسنرى أنها لا تتطلب "تنزيل الحديد" من نجم آخر كما يدعي الدكتور النجار. والفقرات التالية مترجمة في أغلبها من كتاب    Astronomy Todayوهو كتاب مبسط يستخدم في تدريس طلبة السنة الأولى في الجامعات  ، وكتابPlanetary Science: the Science of Planets around Stars للمؤلفين George Cole  و Mechael Woolfson ومستوى هذا الكتاب أعلى من الكتاب الأول وكاتبه ، وولفسون ، من كبار علماء علم الكواكب.

أكتشف علماء الفلك عن طريق الأرصاد الفلكية مكونا أساسيا في مكونات السديم النجمي يتمثل بالغبار السديمي  ، ومن المعلومات المستقاة من الأطياف الضوئية الصادرة من النجوم والتي تصل الأرض بعد مرورها في سحابات السديم النجمية ، أثبت العلماء أن هذا دقائق هذا الغبار تتكون من لب قوامه السيليكات وهي مركبات كيميائية صخرية تحوي عناصر السيليكون والمغنيسيوم والحديد، ويحيط بهذا اللب طبقة متجمدة من الماء والمواد العضوية البسيطة مثل أول أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكربون والفورمالديهد. ويفترض العلماء أن لب هذه الدقائق الغبارية تكون في أجواء النجوم الخارجية والباردة ( "باردة" نسبيا، ذلك أن درجة تبخر السيليكات مرتفعة جدا وتتراوح بين 1000 إلى 2000 درجة مئوية) ، وبعد انفجار النجوم وانتشار هذه الدقائق في الفضاء البارد (تصل درجات الحرارة في الفضاء المفتوح 268 درجة مئوية تحت الصفر) تكتسب عبر الزمن وعن طريق تكثف الغازات والمواد الأخرى من الماء والمواد العضوية أحجاما متزايدة. وتصل أحجام هذه الدقائق الغبارية ألى أقل من نصف ميكرون بقليل (~ 10-5 cm) مما يجعلها تحوي مئات الملايين من ذرات العناصر المختفلة وبهذا تكون نسبيا ذات حجم كبير مقارنة بذرات الغازات المُكوِّن الرئيسي الآخر للسديم النجمي. وتحوي مجرتنا درب التبانة كميات هائلة من هذا الغبار.

ويلعب الغبار السديمي دورا حاسما في عملية التكثف المؤدية إلى تكوين الكويكبات (planetesimals) ومنها تتكون الكواكب، وكما رأينا أعلاه في عرض نظرية لابلاس ، كان عجز العلماء عن إيجاد تفسير معقول لتكثف الغازات ( مسألة 7) إلى مواد صلبة من أهم العوامل التي أدت لفشلها. فقد وجد العلماء أن من أهم الخصائص التي تتمتع بها دقائق الغبار السديمي هي قدرتها الفعالة على تبديد حرارة ذرات الغاز المحيط بها ، مما يحل مشكلة ميكانيكية تكثف السديم النجمي لتكوين النجم المركزي والكواكب المحيطة به. فتقوم هذه الدقائق الغبارية بدور النواة أو المنصة التي تتكثف على سطحها ذرات وجزيئات الغاز لتكوين أجسام متزايدة طرديا في الحجم إلى إن يتم تكوين الكواكب.  

بعد إكتشاف وجود الغبار في السديم النجمي ، وضع العلماء الخطوات العامة التالية لتكوين المجموعة الشمسية 6:

  • تكونت نقطة البداية من سديم نجمي بأبعاد سنة ضوئية واحدة، وقد أتى هذا السديم النجمي من اختلاط بقايا النجوم المتفجرة بما فيها النجوم العملاقة التي صنعت الحديد والعناصر الثقيلة الأخرى أثناء حياتها القصيرة.

  • يتكون هذا السديم النجمي في أغلبه من ذرات الهيدروجين والهيليوم ، ويختلط مع هذه الغازات دقائق من الغبار المكون من مركبات العنصار الثقيلة بما فيها الحديد. بكلمات أخرى ، وللتأكيد، تقول هذه النظرية أن الحديد يكون منتشرا في جميع أرجاء السديم النجمي الذي سيكون المجموعة الشمسية من نقطة البداية وليس بعد تكون الكواكب كما يزعم الدكتور زغلول النجار وأتباعه.

  • يؤدي تأثير خارجي مثل مرور سديم نجمي آخر، أو صدمة من نجم منفجر إلى بدأ انهيار السديم النجمي وتقلصه.

  • بعد أن يؤدي انهيار السديم النجمي إلى تقلص حجمه من سنة ضوئية إلى نحو من 100 بعد فلكي (Astronomical Unit) تنشأ في مختلف أرجاء السديم الكوني موجات غازية عاصفة (turbulent gas eddies)

  • باستمرار انهيار السديم النجمي ، تتزايد سرعة دورانه حول نفسه ويبدأ في التفلطح إلى صحن دائري كما يحدث في نظرية لابلاس القديمة.

  • تختلف نظرية التكثف عن نظرية لابلاس من ناحية افتراض تكون الحلقات الغازية حول المركز، ولكن العواصف الغازية تظهر وتختفي وتعاود الظهور في أماكن مختلفة من الصحن السديمي الدوار. نلاحظ هنا أن المشكلة الأساسية في نظرية لابلاس كانت عدم قدرتها على تفسير كيفية تكثف الحلقات الغازية الساخنة إلى كواكب صلبة، فحسب تلك النظرية تكون كتلة الغاز في كل حلقة قليلة وتحوي كمية عالية من الطاقة الحرارية والتي لن تسمح لقوة الجاذبية بتجميع ذرات الغاز. وبدون وجود الغبار فإن نظرية التكثف الحديثة ستواجه نفس المشكلة ، فوجود العواصف في أماكن مختلفه من الصحن السديمي لن يكفي لتجميع كمية كافية من الكتلة يكون بإمكانها التغلب على ضغط الغاز الممانع للتكثف إلى الكويكبات، ولكن وجود الغبار السديمي سيسمح بتبريد الغاز وتكثيفه قبل أن يتاح له الوقت الكافي للتبدد من جديد. وبوجود الغبار سيكون بإمكان السديم النجمي أن يتقلص لتكوين الكواكب بدلا من الإنتشار في الفضاء بين النجوم.

  • في المرحلة الأولى تبدأ الغازات بالتكثف على سطح دقائق الغبار السديمي وتلعب هذه الخطوة دورا حاسما في المسارعة في تكون العملية الفائقة الأهمية لتكوين أول تكتلات للمادة ، وذلك لأنها تبدأ بعد تكتلها بالنمو السريع عن طريق الإلتصاق والتوحد مع تكتلات أخرى تماما كما يحدث مع كرة ثلج متدحرجة على سفح ثلجي. وبهذا النمو تبدأ مساحة سطحها بالإزدياد المطرد مما يؤدي إلى التسارع الكبير في زيادة نموها. ومع الزمن تنمو هذه التكتلات إلى أحجام بحجم الحصى والحجارة ومنها إلى أحجام تماثل حجم كرة السلة وأكبر من ذلك. مع الزمن تؤدي عملية التجمع عن طريق الإلتصاق والتصادم (accretion) إلى نمو هذه الأجسام إلى أحجام تبلغ عدة مئات من الكيلومترات. في هذه المرحلة تبدأ قوة الجاذبية بلعب دور فعال في زيادة الحجم عن طريق جذب التكتلات نحو بعضها. وكلما زاد الحجم ازدادت قوة الجاذبية وبذلك يزداد البعد الفعال لقوة الجاذبية. عند انتهاء هذه المرحلة يتحول السديم الغباري إلى مجموعة شمسية بدائية تتكون في معظم حجمها من غازي الهيدروجين والهيليوم الذي يتخلله ملايين الكويكبات ( planetesimals) بحجم الأقمار الطبيعية الصغيرة والتي يعطيها حجمها قوة جاذبية تمكنها من التأثير على ما حولها  أجسام.

  • في المرحلة الثانية، تلعب قوة الجاذبية الدور الرئيسي في تنمية أحجام الكويكبات عن طريق التصادم والإتحاد لتكوين أجسام أكبر ، فيزداد حجم الأجسام الكبيرة بسرعة لأنها تملك جاذبية أكبر وبمرور الوقت تتجمع معظم المادة المتكتلة في بضعة كواكب أولية كبيرة والتي تتطور فيما بعد لتنتج الكواكب التي نعرف حاليا. وبالإمكان حاليا عن طريق استخدام النماذج الحاسوبية (computer simulations) إثبات أن تكون الكواكب الأولية يجعلها تتكون في مدارات دائرية كاملة وبمسافات متزايدة عن الشمس (مسألة 1 ، 2). نتوقف هنا لنلاحظ أن دقائق الغبار الحاوية للحديد في لبها كانت النواة التي بنيت عليها عملية التكتل وبهذا يكون الحديد من أول لبنات تكوين الكواكب.

  • وأثناء نمو الكويكبات لتنتج الكواكب الأولية ، بدأت عملية أخرى تأخذ مجراها في تكوين مجموعتنا الشمسية. ذلك أن حقول الجاذبية القوية للكواكب النامية أحدثت تصادمات قوية وبسرعات عالية بين الكويكبات وبين الكواكب. وقد أدت هذه التصادمات القوية إلا تفتيت الكثير من الكويكبات إلى أجزاء أصغر ثم التهامها من قبل الكواكب الكبيرة عن طريق الجاذبية وبالظاهرة التي نعرفها بالنيازك. وبهذا تم تدمير معظم بقية الكويكبات التي لم تلتحم لتكون الكواكب الأولية. بعض من شظايا هذه الكويكبات أحدثت زخات النيازك الشديدة التي نعلم أنها حدثت في العصور الأولى من تطور كواكب وأقمار مجموعتنا الشمسية ، وقليل منها بأحجام تتراوح بين 10 إلى 100 كيلومتر هرب من حقول جاذبية الكواكب لتكون المذنبات وحزام الكويكبات الواقع بين المريخ والمشتري. ولعلاقة هذا النقطة بموضوع الإعجاز عن إنزال الحديد نلاحظ أن مجموع كتلة زخات النيازك كانت صغيرة جدا لتغير من كثافة أي من الكواكب الأولية ، كما أنها كانت تحوي نفس نسب المواد المكونة لتلك الكواكب وبهذا فإنه من المستحيل الإدعاء أنها كانت مسؤولة عن إيجاد الحديد في الأرض والذي كان موجودا فيها من البداية. كما أن زخات النيازك هذه كانت مولدة محليا ولم تأت من خارج المجموعة الشمسية الفتية.

  • وتشير الحسابات الرياضية إلى أن نظامنا الشمسي تطور ليحوي تسعة كواكب أولية (protoplanets) وعشرات من الأقمار ( protomoons) وإلى كتلة مركزية هائلة تحوي شمسنا البدائية (protosolar) . وبشكل عام فإن الحسابات تنتج أيضا المسافات المتباعدة بين الكواكب (مسألة 1) مع أن قاعدتها الفيزيائية لا تزال غير واضحة. بعد المئة مليون سنة الأولى، احتاجت مجموعتنا الشمسية نحوا من بليون سنة لتنظف أجوائها من الركام والحطام الناتجين من عملية الولادة الأولى وبهذا تلاشت زخات النيازك نتيجة لتناقص أعدادها إلا حد كبير.

  • تنامى حجم الكواكب الأولية الكبرى (المشتري، زحل ، يورانوس ، نبتون) إلى حجم سمح لها بالدخول في المرحلة الثالثة من التطور وهي امتصاص كميات كبيرة من الغاز والغبار المتبقي في أنحاء السيديم النجمي. أما الكواكب الداخلية (عطارد، الزهرة ، الأرض، المريخ) فلم يصل حجمها للسماح بجذب هذه الغازات إليها ولهذا ظلت كتلها صغيرة نسبيا.

  • تكونت معظم أقمار الكواكب (عدا قمر الأرض) عبر نفس العمليات الفيزيائية الموصوفة أعلاه ولكن على مجال أقل ، وتكونت بعض الأقمار عن طريق جذب الكواكب للكويكبات الأولية.

شكل  5 : رسمة فنية توضح المراحل العامة التي مرت بها مجموعتنا الشمسية في تكونها من السديم النجمي حسب نظرية السديم النجمي .1- السديم النجمي 2- إنهيار السديم النجمي تحت قوة جاذبيته وتفلطحه 3- البدء بتمايز الكواكب واشتعال النجم في المركز 4- عملية تنظيف الفضاء بين الكواكب 5- الحالة النهائية.  راجع نص المقال لشرح المراحل المختلفة.

دور الطاقة الحرارية

تمكنت نظرية التكثف من تفسير الإختلاف الجوهري بين مكونات وبنية الكواكب الداخلية (عطارد، والزهرة ، والأرض ، والمريخ) والكواكب الخارجية (المشتري، زحل، يورانوس ، ونبتون) والحقيقة أنه من هذا السياق تأخذ هذه النظرية صفة التكثف ، ويلعب توزيع الحرارة في السديم النجمي الأولي الدور الأساسي في تفسير اعتماد مكونات الكواكب على بعدها عن الشمس.

فبعد أن أخذ السديم النجمي في التقلص والإنهيار ليتحول إلى قرص مفلطح تحت تأثير جاذبية مكوناته ونتيجة لدورانه حول نفسه، بدأت حرارته في الإرتفاع وكانت كثافته ودرجة حرارته أعلى ما يكون في منطقته المركزية ، أي في المكان الذي ستتكون فيه الشمس. وتفيد حسابات نظرية مفصلة أن درجة حرارة المركز بلغت عدة آلاف من الدرجات الكلفنية في المركز ولكنها لم تزد عن 100 درجة كلفن (تقريبا مئتين تحت الصفر) على بعد عشرة وحدات فلكية (أي في موقع زحل الحالي).

وفي الأماكن الساخنة بإتجاه مركز السديم الغباري، تحللت دقائق الغبار إلى جزيئات وانشطرت بعدها إلى ذرات متأينة (تذكر أن هذه الدقائق الغبارية كانت تحوي ذرات العناصر الثقيلة مثل الحديد والنيكل والعناصر الأخرى). ولأن درجة تحلل الغبار في الصحن النجمي اعتمدت على درجة الحرارة والتي اعتمدت بدورها على البعد من المركز، فإن معظم الغبار الأولي تحلل في المركز واختفى من الوجود كدقائق ، ولكن الدقائق الغبارية في المناطق البعيدة الباردة احتفظت ببنيتها ومكوناتها.

أدخل تدمير غبار السديم الأولي في منطقة المركز مكونا جديدا في عملية ولادة مجموعتنا الشمسية لم نتحدث عنه في الخطوات العامة السابقة. فمع مرور الزمن فقد الغاز الناتج من تحطيم دقائق الغبار  حرارته المرتفعة عن طريق الأشعاع ما عدا في حدود المنطقة التي بدأت فيها الشمس بالتكون. وفي الأمكنة البعيدة عن الشمس الأولية بدأت دقائق جديدة من الغبار بالتكثف أو بالتبلور من الغازات الساخنة إلى الدقائق الصلبة الباردة في عملية مشابهة لتبلور بخار الماء في جو الأرض إلى بلورات الثلج والبرد في أجواء الأرض الحالية. وقد يبدو من الغريب أن تتدمر دقائق الغبار فقط لتتكون مرة أخرى، ولكن الفرق في هذه العملية هو أن توزيعها في الصحن السديمي تغير تغيرا حاسما عن التوزيع السابق. ذلك أن التوزيع الأولي لدقائق الغبار كان متجانس الكثافة في جميع أرجاء السديم النجمي ، أما بعد عملية التبخر ثم التبلور مرة أخرى فقد أختلف التوزيع كليا.  

شكل 6 يحوي رسما بيانيا للحرارة بدالة البعد عن مركز الصحن السديمي قبيل بدء عملية التكثف. وحسب هذا الشكل، فإن درجة الحرارة سمحت بالتكثف فقط للعناصر والمواد التي لها قابلية تحمل درجة الحرارة في ذلك الموقع. وكما هو معلم في الشكل، لم تتكثف في المنطقة المحدودة بمدار عطارد إلى دقائق غبارية إلا المواد والعناصر المعدنية (الحديد بشكل خاص)، وعلى مسافة أبعد من ذلك بقليل، أي في المنطقة المحصورة بمدار الأرض، سمحت درجة الحرارة للمواد الصخرية بالتكثف إلى دقائق غبارية، بالطبع إضافة إلى المواد والعناصر المعدنية (الحديد والسيلكات)،  وعلى بعد ثلاث أو أربع وحدات فلكية (ثلاث أو أربع مرات بعد الأرض الحالي عن الشمس –راجع الملاحظة عن Astronomical Unit ) تكثفت دقائق الجليد المائي إضافة إلى الدقائق المعدنية والصخرية . وهكذا كلما بعدنا عن المركز تكثفت أنواع جديدة من الدقائق لم يكن بإمكانها من التكثف في المناطق القريبة من المركز بسبب علو الحرارة. في النهاية قررت نوعية الدقائق المتكثفة نوعية الكواكب التي ستتكون في تلك المنطقة. وبهذا تقدم هذه النظرية الحل لمسألة تمايز تركيب الكواكب بدالة بعدها عن الشمس (مسألة 8)

هذه النقطة هي من أهم النقاط لبحثنا عن الأعجاز المزعوم في تنزيل الحديد ، ذلك أن تمايز الكواكب الداخلية بعلو كثافتها نتج عن ارتفاع درجة الحرارة في منطقتها في الفترة الأولى من تكوين مجموعتنا الشمسية ، مما أدى إلى غلبة وجود الغبار المعدني والصخري فيها، بينما انتقلت المواد الطيارة (الغازات ، الماء ، الأمونيا والمواد الخفيفة الأخرى) التي تحتاج إلى درجات منخفضة للتكثف إلى المناطق البعيدة عن المركز وبذلك نتجت منها الكواكب ذات الكثافة المنخفضة. هذا لا يعني أن دقائق الغبار المعدني والصخري لم توجد في منطقة الكواكب البعيدة عن المركز، ولكن الزيادة الكبيرة في المواد الخفيفة نتيجة لتوزع  الطاقة الحرارية كما هو مبين في شكل 6 أدى إلى تواجد مزيج من المواد ذا كثافة منخفضة.  

شكل  6 : يبين هذا الشكل السبب في كثافة الكواكب الداخلية (عطارد ، الزهرة ، الأرض ، المريخ) العالية بالنسبة لكثافة الكواكب الخارجية (المشتري ، زحل ، يوارنوس ، نبتون)، وبالتالي يفسر سبب وجود النسبة العالية للحديد فيها. فقد مرت منطقة الكواكب الداخلية بفترة زمنية ارتفعت فيها الحرارة بحيث لم تسمح بتكثف الغازات ذوات درجة التكثف المنخفضة ، ولم يتكثف في تلك المرحلة إلا المعادن والمواد الصخرية مثل الحديد والسيليكات. بالمقابل، سمحت درجات الحرارة المنخفضة في منطقة المشتري وما بعده بتكثف هذه الغازات بالإضافة إلى المعادن والمواد الصخرية مما قلل من كثافتها.

في علم الكواكب ، يمثل الكون، والمرئي بمختلف أنواع التلسكوبات، المختبر العملي الذي تستخدم القياسات والملاحظات الفلكية المأخوذة منه كالمعلومات التجريبية التي تبنى عليها النظريات الحديثة عن تكون مجموعتنا الشمسية. وبسبب الأبعاد الهائلة في الكون ، فإن الملاحظات الفلكية تسمح لراصدي الفضاء بالنظر بعيدا في الماضي من بدء الإنفجار العظيم إلى وقتنا الحاضر، وبهذا فإننا نستطيع أن ندرس تطور المجموعات الشمسية في مختلف المراحل من نموها من سديم نجمي إلى فنائها بعد أن يستهلك نجمها وقوده. كما أن اختلاف درجة تطور الأسدمة (جميع سديم) النجمية في مختلف أرجاء مجرتنا والمجرات الأخرى تسمح لنا برصد مستقبل النجوم، وذلك عن طريق دراسة النجوم الأقدم من شمسنا. وبهذا تكون الدراسات الفلكية قد استخدمت في المساعدة لبناء النظرية قيد البحث. شكل 7 يظهر صورة التقطت للنجم المسمى بيتا بيكتوريس (Beta Pictoris) الذي يبعد عن الأرض خمسين سنة ضوئية والذي يواجهها بحيث نرى مقطع القرص وليس صفحته.  تمثل صورة (7-1 ) صورة حقيقية التقطت من وكالة الفضاء الأمريكية ناسا. وفي هذه الصورة أخفي الضوء الساطع المنبعث من النجم المركزي للسماح بتصوير قرص السديم النجمي المحيط. في شكل 7-2 لونت نفس الصورة لتظهر توزيع الحرارة في مختلف أرجاء السديم النجمي ويتفق هذا التوزيع بسماته الرئيسيه مع الرسم البياني في شكل 3. شكل 7-3 عبارة عن رسمة فنية لنفس السديم النجمي وقد وضح لنا الفنان العواصف التي تتسبب في تكوين الكويكبات ثم الكواكب. تؤكد القياسات الممثلة في شكل 7-1 و 7-2 صحة توزيع الحرارة في أرجاء السديم النجمي أثناء تطوره إلى مجموعة شمسية وبهذا يكون عندنا دليل قوي، وإن لم يكان نهائيا عن صحة هذه النظرية.

شكل  7 : تمثل الصورة في (1) صورة فلكية حقيقية التقطت للقرص النجمي بيتا بيكتوريس (Beta Pictoris) وهو قرص نجمي يواجه الأرض من حرفه ويبعد عنها نحوا من خمسين سنة ضوئية . في منتصف الصورة أخفى جهاز التصوير النجم الوليد في المركز لشدة ضوئه وللسماح بالتقاط صورة لبقية القرص الغازي.  في (2) تم تلوين نفس الصورة بالحاسوب لتوضيح توزيع الحرارة في القرص وتتبع شفرة التلوين في الصورة حرارة مرتفعة للون الأحمر في مركز القرص بالقرب من النجم المتولد وتبرد تدريجيا نحو الأطراف كما يدل اللون الأزرق. هذه الدليل اللوني للحرارة معاكس لما هو متبع في الصورة التي تخيلها الفنان (3) والتي تتطابق الألوان فيها الواقع الفيزيائي (الأحمر أبرد من الأزرق).

4.      نظرية الأسر Capture Theory

تحاول هذه النظرية تجنب المصاعب التي أسقطت نظرية جين للتصادم الثنائي بين نجمين ، وهي مثل نظرية جين تفترض تصادم نجمين ولكن الفرق هو أن مادة تكوين الكواكب تنتج عن أسر نجم (مثل الشمس) الذي يكون أما قد وصل مرحلة المجرى الرئيسي لحرق الوقود الهيدروجيني (main sequence) أو يكون قريبا من الوصول إلى هذه المرحلة ، مع نجم بني صغير منتشر لا يزال في المرحلة الأولى من تطوره . وتفترض هذه النظرية فيما يختص بمجموعتنا الشمسية ، أن شمسنا تكونت في "تكتل نجمي" أو "مجموعة نجمية" أي Star Cluster من طبقة نجوم 1 والتي تتميز بارتفاع نسبة المعادن فيها. ووجود المعادن ، مثل الحديد يعني أن السديم النجمي الأساسي الذي تكون منه التكتل النجمي الذي ولدت فيه شمسنا، جاء من انفجارات سابقة لنجوم عملاقة (المستعرات العظام) قادرة على تصنيع الحديد والعناصر الثقيلة الأخرى. وتوجد هذه المجموعات النجمية كتكتلات نجمية في المجرات أو في مناطق مفتوحة من الفضاء. وتتفاعل هذه النجوم مع بعضها عن طريقة الجاذبية مما يمكن بعضها من الإفلات من نظام المجموعة ليصبح بعدها عضوا في الحقل النجمي للمجرة ، وتستمر هذه العملية في المجموعات النجمية إلى أن تتلاشى وتنتهي بتشكيلة نجم ثنائي أو بمجموعة صغيرة مستقرة بعد مرور نحو من بليون عام. ما يهمنا عن هذه المجموعات النجمية هو أن الباحثين لاحظوا عن طريق القياسات الفلكية أن هذه المجموعات تمر بمرحلة ذات كثافة عالية من النجوم تتراوح بين مئة نجم إلى مئة ألف نجم في البارسك المكعب ، أي أن هذه الكثافة قد تصل إلى أكثر من إثني عشر بليون مرة من كثافة النجوم في المنطقة التي تتواجد فيها شمسنا. بكلمات أخرى ، فإن فضاء هذه المجموعات النجمية يزدحم ازدحاما كبيرا بالنجوم مما يزيد من احتمال تصادمها احتمالها كبيرا ، وتتجاوز هذه النقطة أحد الإعتراضات الأساسية التي وضعت ضد نظرية جين للتصادم الثنائي والقائلة بالندرة الشديدة لحدوث التصادم بين النجوم كما بينا أعلاه. في مثل هذه البيئة المزدحمة بالنجوم التي تمر بمختلف أطوار حياتها، يحدث تفاعل جاذبي بين نجم "ناضج" نسبيا وبين نجم صغير أو قزم بني في مرحلة ولادته الأولى عندما يكون منتشرا كقرص غازي. في هذا التفاعل "يأسر" (ومن هنا يأتي الأسم  Capture Theory) أو يسحب النجم الأكبر (مثل شمسنا) كمية كبيرة من مادة هذا النجم الوليد لتتطور فيما بعد عن طريق مختلف التفاعلات الفيزيائية لإنتاج الكواكب.

وتختلف هذه النظرية عن نظرية جين للتصادم الثنائي بأن الغاز والغبار الذي سيكون الكواكب سيأسر من نجم بدائي أو قزم بني بدلا من أن يسحبها نجم من مادة مركز الشمس نفسها. والسبب في هذه الفرضية هو أن السديم النجمي الذي يسحب من نجم بدائي سيكون على درجة حرارة منخفضة مقارنة بدرجة حرارة المادة التي سيحررها النجم العملاق من الشمس كما تفترض نظرية جين. شكل 8 يمثل طريقة سحب المادة السديمية من النجم البدائي.

شكل 8 : في نظرية الأسر (Capture Theory )، يقترب نجم بدائي أو قزم بني من الشمس التي تكون قد أنهت تكثفها ووصلت إلى مرحلة المجرى الرئيسي (main sequence) في مدار زائدي (hyperbolic orbit) فتؤثر جاذبية الشمس عليه بسحب كمية كبيرة من مادته الغازية والغبارية عند أقرب نقطة تقارب ، وتدخل المادة المسحوبة مدارا حول الشمس ويمضي النجم البدائي في مساره. من الممكن أيضا استبدال النجم البدائي بنجم متكامل يدور حوله قرص سديمي وتسحب مادة الكواكب في هذه الحالة من القرص السديمي.

وتسمح درجة الحرارة المنخفضة بتكون بتكثف السديم النجمي لتكوين الكويكبات وبذلك تحل (مسألة 7) أعلاه والتي كانت عقبة في قبول نظرية جين. وسحب المادة من نجم بدائي أو قزم بني ليست شرطا أساسيا في هذه النظرية ، فقد قام بعض العلماء بالحصول على نفس النتائج عندما افترضوا أن الشمس أسرت مادة الكواكب من قرص غازي-غباري يدور حول نجم متكثف كامل.

تمكنت "نظرية الأسر" من حل معظم المسائل المطروحة أعلاه. فحلت مسائل 3 - 6 بسهولة لأن كل الكواكب تكونت من نفس الشريط السديمي المسحوب من النجم البدائي تماما مثل نظرية جين، وكما ذكرنا سابقا تحل مسألة 7 والمتعلقة بتكثف السديم النجمي إلى أجسام صلبة عن طريق جذب سديم نجمي بارد من نجم بدائي بدلا من جذبه من قلب الشمس حيث ستمنعه حرارته المرتفعة من التكثف. أما مسألة توزيع الزخم الزاوي ، أي مسألة 11 ، فقد حلت ببساطة لأن هذه النظرية تفترض أن الشريط السديمي المسحوب انفصل على بعد مناسب من الشمس (40 AU) ثم أكسبها تفاعلها مع جاذبية الشمس الزخم الزواي المطلوب. وتجيب النظرية على النقاط الأخرى عن طريق التفاعل الجاذبي بين الكواكب والشمس والاحتكاك مع المادة الغازية المتبقية بعد تكون الكواكب.

أما مسألة 8 التي تهمنا في هذا المقال، وهي مسألة التميز الفائق بين الكواكب الداخلية والخارجية والتي من أهم مظاهرها ارتفاع كثافة الكواكب الداخلية بسبب علو نسبة المعادن الثقيلة فيها ، وبالأخص الحديد، فيحلها وولفسون و دورماند (Dormand and Woolfson) حسب السيناريو التالي:

  1. تكونت المجموعة الشمسية في أول تطورها من ستة كواكب بدائية (protoplanets) : الأول في مدار المريخ  (A) والثاني في مدار الحزام الكويكبي (B) ، والثالث كان المشتري الحالي، والرابع زحل، والخامس يورانوس، والسادس نبتون والأربعة الأخيرة في مداراتها الحالية. وتكونت كل من هذه الكواكب من مركز حديدي ، وقشرة صخرية وغلاف جوي غالبيته من الهيدروجين والهيليوم.

  2. تكونت الأرض والزهرة نتيجة لإصطدام مباشر بين الكوكبين A و B. وقد برهن هذين العالمين بالحسابات الرياضية إمكانية أن رمي أحد هذين الكوكبين خارج المجموعة الشمسية ، بينما تفقد القشرة الصخرية والغلاف الجوي وينقسم مركز الكوكب الآخر ليكون الأرض والزهرة في مداريهما الحاليين. وفي حسابات أخرى قام بها وولفسون ، برهن إمكانية بقاء مركز الكوكبين البدائيين بعد اصطدامهما في مداري الأرض والزهرة وبعد فقدان القشرة الصخرية والغلاف الجوي نتيجة للإصطدام. في كلتا الحالتين، تكون الأرض والزهرة قد تكونتا بنسبة الحديد العالية فيهما من مركز الكوكب / الكوكبين المتصادمين والغنيين بعنصر الحديد. وهنا نجد أن هذه النظرية أيضا لم تفترض بأي شكل وصول الحديد إلى قلب الكواكب الداخلية أي عطارد، والزهرة، والأرض ، والمريخ عن طريق زخة من النيازك الحديدية كما يزعم الدكتور زغلول النجار ومن تبعه من الإعجازيين.

نكتفي من عرض هذه النظرية هنا بالقول أن هذه النظرية قامت بحل معظم المسائل الأخرى بنجاح، وللمزيد من المعلومات للمهتمين بالتفاصيل الكاملة لنجاحها في تفسير المسائل 1-11 يمكن مراجعة كتابي وولفسون المشار أليهما أعلاه وأطروحة الدكتوراة لستيفن أوكسلي والتي أوردنا رابطها في المراجع.

عودة لقائمة المحتويات

القسم التالي

القسم السابق


مراجع:

من المهم أن نُعَرِّف هنا أن الغاز يتكون من ذرات العناصر أو جزيئاتها الأولية مثل O ,H  . أما الجزيئات فهي مركبات كيميائية من الذرات الأولية مثل H2 , O2   وفي نظرية لابلاس تتكون الغيمة السديمية من ذرات وجزيئات العناصر الأولية. وبسبب الطاقة الكبيرة الصادرة من النجوم عند انفجارها والتي تكفي لتفتيت المادة إلى جزيئاتها الأولية، فإن فرض لابلاس بأن السديم النجمي في نظريته يتكون من ذرات وجزيئات أولية كان فرضا معقولا ساندته الأرصاد الفلكية الحديثة في القرن العشرين، مع الفرق الحاسم أن هذه القياسات الفلكية أثبتت أيضا وجود غبار كوني في السحب السديمية يتكون من تكثف آلاف الذرات ، ويحوي هذا الغبار جزيئات كيميائية معقدة منها المواد العضوية البسيطة والتي تتجمد في برودة الفضاء حول قلب من ذرات الحديد وجزيئات السليكات.

عودة للأعلى

يبلغ قطر الشمس حوالي 1.4 مليون كيلومتر، ويبلغ بعدها عن أقرب نجم (ألفا سنتوري) أربعين ألف بليون كيلومتر أي خمس وعشرين مليون ضعف قطرها، ويمكن من هذه الأرقام , ومن حساب عدد النجوم في درب التبانة وسرعاتها، ومعدل المسافة بينها ، فإن احتمالية تصادم النجوم فيها لن تزيد عن بضعة اصطدامات تحدث على طول عمره هذه المجرة الشاسعة. بالمقابل، فإن تصادم المجرات عالي الإحتمال ولكن حتى عند تصادمها فإن احتمالية تصادم نجوم المجرات المتصادمة تظل ضئيلة جدا. ولكنا سنرى أدناه  أن المجرة تحوي مناطق تزدحم بالنجوم مما يرفع من احتماليات تصادمها.

عودة للأعلى

راجع الباب الثاني من أطروحة الدكتوراة التي قدمها Stephen Oxley بعنوان:Orgin of Planetary Systems Modelling the Capture Theory for على هذا الرابط: http://www.droxley.freeserve.co.uk/

عودة للأعلى

The Secrets of Star Dust, J. Mayo Greenberg, Scientific American, December, 2000,  page 70.

كما أشرنا أعلاه، فإن دقائق الغبار السديمي تقوم بدور حاسم حسب هذه النظريات في عمليات التكثب الأولى.

عودة للأعلى

  Planetesimalوبالعربية الكويكبات هي أجسام صخرية صغيرة تبلغ أحجامها أكثر من كيلومتر وقد تصل إلى مئات الكيلومترات وتنتج بنيتها من قوة الجاذبية الذاتية. راجع الوكيبيديا لتفاصيل أكثر.

عودة للأعلى

يساوي بعد السنة الضوئية نحوا 63000 بعد فلكي(Astronomical Uint) ، بعبارة أخرى يتقلص السديم النجمي بثلاث وستين ألف مرة. والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في الفراغ في مدة سنة كاملة أما البعد الفلكي  فهي المسافة بين الأرض والشمس وتبلغ قريبا من مئة وخمسين مليون كيلومترا يقطعها الضوء في حوالي ثمانية دقائق.

عودة للأعلى

المادة التالية مأخوذة من كتاب Planetary Science ، للتفصيل راجع ملاحظة 21. أعتذر هنا عن عدم معرفتي بالمصطلحات العربية ، وقد أستعصى علي أن أجد كلمة مناسبة أكثر من "نظرية الأسر" لترجمة كلمتي Capture Theory ، سيحدث هذا في ترجمة الكثير من المصطلحات وأرجو مستقبلا من القراء أن يرشدوني إلى الترجمة الصحيحة.

عودة للأعلى

يقدر العلماء أن هذه الكثافة تتراوح بين 102-105 pc-3 مقارنة بكثافة 0.08 pc-3  في منطقة شمسنا. عربت هنا كلمة “parsec”  كما هي إلى كلمة بارسك وهذه أطول وحدة طول يستخدمها الفلكيون وتبلغ 3.262 سنة ضوئية . للمزيد راجع الويكيبيديا بالإنكليزية. ولأخذ فكرة أفضل في المقارنة بين عدد النجوم في التكتلات النجمية وعددها في منطقتنا من مجرة درب التبانة، نحول كثافة مئة ألف نجم في البارسك المكعب إلى حوالي ثلاثة آلاف نجم في السنة الضوئية المكعبة. وهذا يعني أن معدل بعد النجوم عن بعضها في هذه المجموعات يبلغ أقل من 0.1 سنة ضوئية. ويقارن هذا الرقم بمسافة الأربع سنوات ضوئية التي تفصلنا عن أقرب نجم لمجموعتنا الشمسية. بكلمات أخرى فإن فضاء هذه المجموعات "يزدحم ازدحاما شديدا بالنجوم."

عودة للأعلى

 

هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

ياجزمات يالذي لا تخافو الله ياسخفاء

عبداللات (عبدالرحمن سابقاً) يقول...

شكراً لك على إفاضتك في الشرح لقد تبين الحق من الباطل.

غير معرف يقول...

ومالهم به من علم ان يتبعون الا الظن، وان الظن لا يغنى من الحق شيئا* فأعرضعن من تولى عن ذكرنا و لم يرد الا الحياة الدنيا*
ذلك مبلغهم من العلم،ان ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله و هو أعلم بمن اهتدى

Links

    لا يعني إدراج الروابط التالية أن أبو لهب يوافق على كل ما يرد فيها وعلى وجه التخصيص , فنحن نرفض وندين أي مقالات معادية للقضية الفلسطينية أو القضية العربية